الثلاثاء، 27 مارس 2018

القرية 6 الحصا




(1) في خريف عام 1979 عصراً ، وفي يوم مشمس كنت العب مع اطفال معسكر خشم القربة للاجئين الارتريين اقيم حديثا من خيام مؤقتة ، امتدادا للمعسكر القديم الذي شيد عام 1967 ، وبدون سابق موعد وجدت امامي خالتي (جَمع) أم ناصر ، الله يطراها بالخير ، هذا بعد سبعة سنوات من الفراق تقريباً .. فعدت مسرعاً الى عمى (علي ) ابو زينب عليه الرحمة والمغفرة ، الذي كان يجلس في طرف الخيمة محتمياً بظلها الذي أوجد لكل افراد العائلة مساحة للجلوس خارج الخيمة ، وقلت له : عمي ياعمي .. أنظر تلك الفتاة القادمة هي خالتي .. فقال لي : يا ابني اصبر حتي تلقي عليك التحية وتتأكد منها ان كانت هي او غيرها .. فلا تجرفك العواطف و الاشواق ،، فلم انتظر حتي يكمل كلامه .. وقفزت عليها مسرعاً ، فعانقتني بحرارة ، وسقطنا معا علي الارض واجهشنا معاً بالبكاء ، فعليه الرحمة تعجب وقال: لقد اصبت يابني .

(2) كان لقاء تاريخياً مع خالتي التى تكبرنى بعشر سنوات تقريباَ ، فقد ربينا معاً ، وتركت البلاد وهاجرت الي السودان ، كسائر الشباب الارتري الذي كان معرضا للانتهاكات الاستعمارية ، فلم تكن هناك خيارات الا اثنين وهما الالتحاق بالثورة او ترك الديار والهجرة خارج الوطن ، قضينا تلك الليلة في جو من المرح يملاها الغبطة والسرور ، لا اعرف .. ماذا كنا نفترش تحت سقف خيمة من القماش لاتتعدى سعتها المترين ونصف المتر ، مع اسرة عدد افرادها الحاضرين منها خمسة بالاضافة انا وخالتي الضيفة ، ولكن ما اعلمه انها كانت مليئة بالحب والحنان والرحمة والرضوان ، وفي تلك الليلة استعصمت السماء عن المعصرات ، فاكتفت بالتلويح عن بعد ، وكانت فرصة لتجمع بقية الجيران والخروج الي الهواء الطلق يتدفئون بنار التقابة التى تتوسط الدائرة ، وتنبعث منها الضياء وهو المصدر الوحيد للاضاءة ، وكانت احاديثهم ذكريات الوطن المسلوب مع ايقاعات الالحان الشجية من المعشو والجفرا ، وتفاصيل اخري لايتسع المجال في الوقت الحاضر لذكرها .

(3) في باكر الصباح تناولنا الشاي بعد العودة ( انا وعمي) من حمام قبل اذان الفجر في البحر الذي يقع علي مسافة لا تتجاوز ربع كيلومتر تقريباً ، وهو روتين صباحي ملزم ، في حالة وجود عمي ، فقد مكثت ما يقرب الشهر علي ذلك المنوال ، فالايام الاولي كنت اتضايق ولكن بعد مرور ايام تعودت علي الحالة ، حتى اصبح حمام الصباح من افضل الاوقات ، انظلقنا انا و خالتي الى موقف حلفا الجديدة ، فلم نجد سيارة تقلنا الا بعد منتصف النهار ، وعند شجرة عملاقة مقابل المدرسة الثانوية العامة ، قضينا جل الوقت وشاركنا المقيل في ذلك اليوم الخال ابراهيم خليفة ،وبعدها تحركنا من القربة عند الواحدة ظهرا تقريباً ، توقف البص المحلي الصنع ، عند محطة القرية 6 الحصا ، ونزلنا وواصلنا بقية المشوار الي داخل الحلة مشياً علي الاقدام ، وكان اول دار دخلناها اسرة الخال سعيد علي بخيت امد الله في عمره ، وزجته المرحومة فاطمة ابراهيم حمد ، لها الرحمة والمغفرة ،والتي توفيت لاحقاً في مستشفي حلفا الجديدة اثناء الولادة ، وتركت ثلاثة اطفال ولد وبنتين ، وقد امتنع الخال عن الزواج مطلقاً وتفرغ لتربية ابنائه بنفسه .

*الصورة تعود الي عام2012 بمناسبة عقد قران الاخ خالد محمد علي هنقلا ، علي ابنة بن عمي الاخ عثمان محمد نور أمد الله في عمره .. وتحياتي للاخ عبدالرحمن ابراهيم صالح الذي كان له الفضل في التوثيق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق