الأحد، 19 يناير 2020

قناديل خالدة (3)




قرية ( دُلُكْ) تقع في سهل خصب ، تقطنها مجموعة قبائل تكون نسيج اجتماعي حضري ذي طابع محافظ  ، السواد الاعظم  من التقري والحدارب  ، وما يميز القرية حداثة البنية التحتية من المنشآت والمباني لذا كانت محل جذب توافد العائدين بعد الاستقلال من منافي اللجوء وخاصة من مخيمات شرق السودان .
أهم المرافق التي شيدتها الحكومة مدرسة اساس ومستشفي ومقر ادارة الضاحية ، بجانب ثلاثة موارد مائية بمايسمي (الدريل) ، وكذلك تخطيط السوق بشكل عصري ، وتنظيم بناء المنازل ، تتكون المدرسة من اربعة  فصول دراسية  ومكتبين للادارة  ، بجانب سكن المعلمين الذي يتكون من ثلاثة حجرات وصالة . جميع مباني المدرسة مشيدة  من البلوك والاسمنت ، بسقف من الزنك ،
كان ذلك في مفارق  سبتمبر1996 ، نهاية فصل الخريف وبداية فصل الشتاء الذي  تتعري الارض  متجردة  من ثيابها وتظهر تفاصيل مفاتنها  و جسدها المغري المطلي بالذهب الخالص  ، تعطيك احساس بالفخامة ، والشعور الخرافي  بمتعة الاجواء المشمسة مع اعتدال الطقس ، اتينا اليها في رحلة اقرب الي ترحال ايام النضال بعربات الداف والماك  ، طريق وعر تتخلله اودية متفرقة لاتعد ولاتحصي ، تبدأ رحلة الشقاء تلك من منطقة انقرني ، حتي دخول سهل المنطقة الممتد عشرات الاميال من موقع القرية .
اهم مايميز المنطقة السهل الخصيب المحاط بسلسلة جبلية وخاصة من الجنوب سلسلة جبال دمبلاس ، اهم المناطق الحضرية التي تقع في امتداد ذلك الطريق قرية (عدكوكوي ) وقرية سيدنا محمد طاهر ،وجميعها بما فيها دُلك تتبع ادارياً لمحافظة منصورة ،
حقيقة احببت المنطقة من أول وهلة ، أحببت فيها الهدوء والبساطة ، وتوفر مقومات الحياة الكريمة  ، من مستلزمات المعيشة ، بسعر المدينة ، بجانب وفرة الثروة الحيوانية ،وهذا مفيد جداً لنا بالذات ، وتأتي الخُضر والفاكهة بشكل يومي من اغردات .. فهناك البص الذي ينطلق صباحاً ويعود حاملاً الناس ومستلزماتهم في المساء .
في اول يوم لنا قضينا الثلث الاول من الليل  في مقاهي السوق المتواضع ، وبعد العشاء والقهوة فيه عدنا الي المدرسة وارتمينا في نوم عميق ،  قضاء الحاجة في العراء فبالرغم من وجود مراحيض وحمامات الا أن الاودية الصغيرة والكثيرة  حول المنطقة جاذبة للغرض وبالاخص  ايام العطلات وفي الامسيات .

بعد عملية التسليم والتسلم وتعريفنا بالمنطقة ،بشقيها الرسمي والشعبي ، غادرنا  الزميل عبدالله الي مكان عمله الجديد  ، وبقينا نحن الاربعة ادريس محمدعثمان مدير المدرسة عمل ثلاثة عشر سنة في حقل التعليم السوداني  ، عبدالله سالم من خريجي كلية الزراعة بليبيا ومن ابناء امبيرمي ، عثمان صالح درس في ليبيا ايضاً وخريج جامعي من ابناء ماي حبار بالقرب من منطقة نفاسيت ،
قمنا بنظافة المدرسة من الاعشاب بالحرق والكنس ،  وترتيب الامور  الادارية .. اجتمعنا مع لجنتها ، وهيأنا الاحوال لبدء العام الدراسي  ، وأنشأنا الفصل الخامس من المواد المحلية ، وذلك الفصل يشيد سنوياً لوجود النمل الابيض(الارضة)  بشكل فظيع ، حتي اذا سقط ثوبك ليلا علي الارض من السرير لاتستغرب اذا وجدت  بعض اجزاءه قد تلف .
بعد بدء الدراسة باسبوعين تقريباً ، التحق بنا مدرس للغة الانجليزية والتجرينية  اسمه مكئيلي  شاب في عمر العشرين   من ابناء  ضواحي مدينة مندفرا . ومن بعده بايام اكتمل العدد بوصول الزميلة / مني ادم نورالدين ، كان ذلك اليوم بمثابة ميلاد فجر جديد بالنسبة لي لا اعرف بالضبط الاسباب ، ولكن يمكنني القول  انشرح صدري لرؤيتها بالرغم من تمتعها  بقوة الشخصية  ، كانت فتاة صارمة وجادة ، وكنت اول من حظي باستقبالها برفقة التلاميذ الذين حملوا اشيائها من البص الي مباني المدرسة  من شنطة ملابس وغيرها من المستلزمات الشخصية   ، كانت الاستاذة مني الوحيدة المتبقية من الطاقم  القديم ، ولذا كانت هي الدليل والمرشد  الذي نعتمد عليها في كل صغيرة وكبيرة ، وفعلياً كانت هي من تدير دفة الامور .لانها المعروفة لدي الجميع عند التلاميذ وشعب المنطقة ، والادارات الرسمية والشعبية ، وبحضورها ذللت الصعاب ، وبدأت الوفود تاتي الي المدرسة تباعاً وخاصة العنصر النسائي .

يتبع الحلقة الرابعة >>>> 

هناك تعليق واحد: