مرت سنوات الوثاق كفاصل أو ومضة من سنا الفجر الجميل ، لتُخلِّد ذكريات يانعة ، و موال من الهمسات المُترعة ، وعبير من الزهرات الفواحة ، وتلك السنوات جاءت
بعد جُهد عظيم وكفاح مرير ، وتاريخ حافل في ميادين ساحات الوَغي المقدسة ، ثمنهُ ارواح غالية ودماء
عزيزة ، انتصرت فيها الارادة الوطنية علي قوي البغي والاستعمار ، لندخل في مرحلة
جديدة من مر البلاد ، ولم نكن قبلها
نعرف من الحب الا حب واحد ، وكنا نستحي من سماع اغنيات الغزل باعتبارها من فواحش
النفس واسراف في قتل الوقت ، هكذا تربينا
ونشأنا في كنف الثورة ، ولا حباً في الحياة يُعلي علي حب الاوطان والثورة .
الثورة علمتنا ان عشق النساء من عشق الوطن ،، وكنا نغني ونردد مع مبدعي
الثورة اناشيد وأغنيات الثورة ، فكان شعر الاستاذ /محمد عثمان كجراي
علي سبيل المثال نموذجاً يمكن الاستدلال والتأكيد وهذه واحدة من رواعه الخالدة التي يقول فيها :
ﻳﺎﻓﺘﺎﺓ ﻓﻲ ﺍﺗﻮﻥ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺗﺨﻄﻮ
ﻓﻲ ﺍﻋﺘﺰﺍﺯ ﻭﺷﻤﻮخ ﻭﻭﺳﺎﻣﻪ
ﺍﻧﻤﺎ ﺍﻧﺖ ﺍﺑﻨﺔ ﺍﻟﺼﺨﺮ ﺻﻤﻮﺩﺍ ﻭﺍﺑﺎﺀ ﻭﻛﺮﺍﻣﻪ
ﻓﻠﻌﻴﻨﻴﻚ ﺗﺤﺪﻳﻨﺎ ﺍﻻﻋﺎﺩﻱ ﻭﺻﻨﻌﻨﺎ ﻛﻞ ﺍﻫﻮﺍﻝ
ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﻪ
ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﻣﺮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻛﻔﺎﺡٍٍ
ﻫﻮ ﻳﻮﻡ ﺿﺎﻉ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡِ
ﻓﺘﻌﺎﻟﻲ ﻧﻤﻸ ﺍﻻﻓﻖ ﻫﺪﻳﺮﺍً
ﻧﺘﺤﺪﺍﻩ ﺑﺎﻣﺠﺎﺩ ﺍﻟﺴﻼﺡ
ﺷﺎﺭﻛﻴﻨﻲ ﺷﺮﻑ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﺟﻬﺎﺩﺍً
ﺿﻤﺪﻱ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺟﺮﺍﺣﻲ
ﻭﺍﺫﺍ ﻣﺖ ﺷﻬﻴﺪﺍً
ﻭﺩﻋﻴﻨﻲ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﺠﺪﻱ ﺗﺬﺭﻳﻨﻲ
ﺍﻧﻬﺎ ﺍﻣﻨﻴﺘﻲ ﺍﻟﻜﺒﺮﻱ ﺩﻋﻴﻨﻲ
ﺍﻧﻤﺎ ﺍﻧﺖ ﺍﺑﻨﺔ ﺍﻟﺼﺨﺮ ﺻﻤﻮﺩﺍ ﻭﺍﺑﺎﺀ ﻭﻛﺮﺍﻣﻪ
ﻓﻠﻌﻴﻨﻴﻚ ﺗﺤﺪﻳﻨﺎ ﺍﻻﻋﺎﺩﻱ ﻭﺻﻨﻌﻨﺎ ﻛﻞ ﺍﻫﻮﺍﻝ
ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﻪ
ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﻣﺮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻛﻔﺎﺡٍٍ
ﻫﻮ ﻳﻮﻡ ﺿﺎﻉ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡِ
ﻓﺘﻌﺎﻟﻲ ﻧﻤﻸ ﺍﻻﻓﻖ ﻫﺪﻳﺮﺍً
ﻧﺘﺤﺪﺍﻩ ﺑﺎﻣﺠﺎﺩ ﺍﻟﺴﻼﺡ
ﺷﺎﺭﻛﻴﻨﻲ ﺷﺮﻑ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﺟﻬﺎﺩﺍً
ﺿﻤﺪﻱ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺟﺮﺍﺣﻲ
ﻭﺍﺫﺍ ﻣﺖ ﺷﻬﻴﺪﺍً
ﻭﺩﻋﻴﻨﻲ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﺠﺪﻱ ﺗﺬﺭﻳﻨﻲ
ﺍﻧﻬﺎ ﺍﻣﻨﻴﺘﻲ ﺍﻟﻜﺒﺮﻱ ﺩﻋﻴﻨﻲ
ﻓﻮﻕ ﺣﻀﻦ ﺍﻻﺭﺽ ﻳﺮﺗﺎﺡ ﺟﺒﻴﻨﻲ ....الخ
وبعد وضع الحرب أوزارها ، عدنا لحياة المدنية ، ورويداً رويداً
اندمجنا في المجتمع ، وعاد بي الزمن القهقري لايام الصبا وحجرات
الدراسة ، ولفنون الخطابة وأصبحت أقلب دفاتر الطفولة ومايليها من عمر الصبابة ، وللاسف لم اجد كراسات مدوناتي ، ولا الكتب التي كنت اقتنيها فقد فقدت مع ظروف اللجوء ودوامة ترحال الاسرة كحال
جل الارتريين ، عدت الي أيام التكوين الفكري الاول ، ايام التعابير الحنونة ،
والكلمات الوردية ، والمشاعر الجياشة ، ولم أجد مايملأ فراغ ما بعد الحرب الا
العودة الي حياة النعومة ، والاستهلال في بديل عاطفي ، ومن أول زيارة الي الي
السودان عدت بمجموعة كتب متنوعة بعضها هدايا واخري اشتريتها من المكتبات ، ولفقر سوق الكتب في أقاليم السودان لم اجد ما يروي شغفي
، وكلنا نعلم خلو ارتريا حينها من اي كتب ثقافية باللغة العربية .
في
ذلك الوقت الذي كان يعتريني فيه فراغ نفسي ، تم نقلي الي وزارة التعليم ، وتعينت
مدرساً في احدي البلدات البعيدة عن حياة صخب المدينة ، قرية هادئة متواضعة اغلب
سكانها عائدون من منافي اللجوء ، كان اصطاف المعلمين مقداره خمس معلمين حضورا وواحدة
في الطريق كانت تقضي الاجازة في القضارف ، استلمت كشف المعلمين من مكتب اغردات ،
ونزلت الي ارض المدرسة ، كفاتح من ابطال
الروايات الخيالية ، ومعي مدير المدرسة السابق الاستاذ / عبدالله محمد عمر للتسليم
والتسلم ، وهو من المعلمين الذين عملوا في حقل التعليم في جهاز التعليم الارتري
نشأ في منطقة سمسم مخيم الدنقرار ، ونقل في ذلك العام الي الاقليم الجنوبي ضواحي
عد ي قيح .....>>>> يتبع الحلقة (3)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق