الجمعة، 8 مارس 2019

يوميات من سِفْر المرأة الارترية ‏(قُمْجَا) الحلقة الاولي : ‏


‏(1) وفي طريقنا الي التلة المسعورة (تَبا بَارٍع ) التي لاتهدأ من قصف ‏الهاونات ، ووابل الاسلحة الخفيفة البرين والكلاششن وما يماثلهما، توقفنا عند وادي ‏ماي أَتكموم ، الذي تغني بعذوبة ينابيعه الفنان المبدع سعيد عبدالله ادام الله عليه الصحة والعافية ، وأخذنا حمام شمسي ‏، ولم يستمر الوقت كثيرا حتي عاود القصف المدفعي لخلفية دفاعات ‏قندع حديثة التكوين ، مما خلا الوادي في دقائق وجيزة ، ولكن لم ‏تنقطع الحركة فيه ، لانه الممر الوحيد الذي يرابط عبر روافده المتاريس الامامية ، ‏وكانت القذائف تسقط امامنا محدثة دوي واهتزاز يهز الارض من ‏تحت اقدامنا ، وادخنة تتصاعد كضباب الربيع تتمدد من بين أغصان الاشجار الكثيفة ، ‏‏ ونجد اثار ما خلفه السقوط في طريقنا ، من شظايا بقايا الانفجار ‏، واغصان الشجر مرمية علي الممر ، وحفرة احرقت العُشب الجميل أو قذفت بها هباء منثورا ، وعرت الارض من ‏كسائها الرائع ، اشبه بقرح العلة في رأس ادمي .‏
‏ (2) وعند منعطف الصعود الي التلة ، أدركنا بثلاثة فتيات اسمائهن ‏فرويني ، شريفو ، قمجا ، وكانت بحوزتهن جركانة مملوءة بالماء ‏تسمي فاشستي ، لانها أكبر بربع الكمية من الجركانات العادية ، لذا ‏سميت بذلك الاسم في عرف الميدان نسبة لكبرها عن قريناتها ، ‏وتناول رفيقي منهن الجركانة رغم رفضهن والحاحهن ، ومع ذلك ‏سحب منها ووضعها في كتفه وانطلق مسرعا ، صاعداً جبل شقي ، ‏تَقل فيه الحجارة الصلبة والتربة المتماسكة ، يحتوي علي كتل صخرية ‏رملية تعرض الماشي عليها للانزلاق والاضرار البليغة ، لهذا قد ‏صمم المقاتلين ممشي آمن للافراد ، ولكنه مكشوف احياناً امام ‏قناصات العدو .‏
‏(3) وبعد عدة دقائق ، سَحبتُ الجركانة من رفيقي ، ‏ووضعتها علي كتفي وللحقيقة في ثقافة الميدان ، لاتنتظر رفيقك او ‏رفيقتك حتي تنهار من التعب ، وانما تبادر تناول الشئ المحمول قبل ‏ان تفتر قواه ، ولاني كنت أحس بفتر غير معتاد ، خبئت الامر كعادة الثوار ، لم يدم دوري لثواني فقد تمايل حيلي ، وظهر ذلك في خطواتي ، مما ‏تدخلت (قُمجا) ونزعت المحمول مني ، وحينها هويت علي الارض حتي ظن رفاقي اني اصبت بعيار ناري أو قذيفة مورتار ، ‏واظلمت حولي كل شئ ، تقبلني رفيقي ووضعني بين يديه ، ‏وجنبني في زاوية من الطريق ،، وشعر بحرارة شديدة علي جسمي ، وتأكد له سلامة الاصابة .
(4) وصب الماء علي راسي من ‏زمزميته ، وما تبقي من الماء خلطه ببدرة (جلكوز ) وسقاني كما ‏يسقي الطفل الرضيع ، وقبل وصول الجرعة الي المعدة ، ‏قابلتها نافورة رمت مابها الي الخارج ، فقدت الحيل حينها، ولكني شعرت براحة ، ‏ولان القصف مستمر ، تحركنا حتي لانصَاب في العراء بأذي من جراء القصف وعند الوقوف لم اتمالك نفسي وسقطت مغشياً للمرة الثانية ، وزغللت ‏عيني مما استدعي الامر الي حمالة (باريلا) ، واستعصي بسبب ‏ظروف القصف ، ارسال نداء الاستغاثة ، فحاولا رفعي ، ولكن الامر ‏ليس بالسهل في حالة الصعود الي الاعلي ، لذا ‏وضعاني علي حواف جذور شجرة ، واسندا راسي بعشب اخضر ، وانطلق ‏رفيقي كالصاروخ يزحف حينا ، ويجري حينا اخر ، وقمجا بقيت ‏بجواري ، تضع الكمادات في جبهتي ، وتحركني يمنا ويساراً بغرض ‏الاطمئنان علي حالتي ، حتي حضر رفيقي ومعه شابان ، أعادوني الي ‏الخلف الي عيادة الكتيبة . واكتشف لاحيقاً انها الملارية اللعينة . ‏
‏(5) عدت الي الدفاع بعد اسبوعين تقريباً من العلاج وفترة النقاهة ، وبعد يومين منالعودة الي فصيلتي جاء الينا أمر تحرك الي ‏منطقة (كُوبي ) الجبهة الشرقية من جبل (بيزن ) ،، ففي رحلة صعود ذلك الجبل الصلد قصة اخري. ‏وموعدنا مع احداث ‏الحلقة القادمة ‏.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق