الثلاثاء، 12 مارس 2019

يوميات من سِفْر المرأة الارترية ‏- قُمْجَا الحلقة الثالثة والاخيرة



 (10)  عادت قمجا  من المشفي  وقت سرييتنا في استراحة خارج التحصينات الدفاعية  ، وتقابلنا بالصدفة ومعي ظِقي بنت مُلقي  وكان برفقتها مجموعة من المقاتلين ، وزاملتنا الي مورد الماء ، كانت مناسبة للمعرفة ، وتبادلنا الحديث رغم تواضع لغتي التجرينية ، كانت مثال للفتاة التي قال: عنها شاعرنا الكبير الراحل كجراي  " ﻓﻲ ﺍﺗﻮﻥ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺗﺨﻄﻮ ﻓﻲ ﺍﻋﺘﺰﺍﺯ ﻭﺷﻤﻮﺥ ﻭﻭﺳﺎﻣﻪ"  ، اذكر يوم الاصابة ولم تبك او تنيح ، بقدر ما كانت مثابرة والجراح ينزف مخترقاً خرقة الضمادة ، بل كانت تساعد رفاقها في رفع المجرحين الاكثر اصابة بالحمالة الي العيادة ، كانت قمجا طويلة ممتلئة ، لها قوام متناسق و جميل   ، قمحية الملامح ، عيونها بارزة ، ولها كاريزما اجتماعية ،وصرامة انثوية ، يتدلي علي منكبيها شعر اشقر يشكل من وجهها استدارة القمر ، لها مبسم اذا تكلمت اضاء القلوب ، واذا صمتت حرك الوجدان .
(11) قمجا لم تنل فرصة التعليم ، ولكنها كانت مواظبة في استغلال الدروس الاكاديمية ، محبوبة بين الجميع ، تحب العمل بجنون ، وهي من صنف النساء اللائي يشاركن في حفر الخنادق ، وقطع الاشجار ، وتكسير الصخور ، وايضا كانت تحث رفيقاتها في مخيط ملابس الرفاق ، ومن رماة الحدق ودقة التصويب ، والرشاش يتغني بين اناملها في اتون المواجهة .
(12) في المورد اخرجت من حقيبتها العسكرية ، وناولتني صابونة حمام (ريكسونا) ، وتركت معها (ظقي) لحين ملأ الجركانات من عين المخصصة للشرب ، وانتقلت  للاستحمام في الجانب الاخرمن  الوادي ، ومن المعروف ان الصابون لايصرف الا للنساء  ، ولكنهن ابداً لايبخلن به لرفاقهن .
(13) بعد انقضاء فترة الاستراحة ، اخذت وحداتنا موقعها في الجناح الايسر للجبل ، وهي منطقة تعرجات تمتاز بالاودية العميقة والانحدارات السحيقة ، والغطاء النباتي يُشكل قبة خضراء من الاشجار الباسقة ، اجمل دفاع شهدته في حياة نضالي  ، منطقة غنية بالموارد الطبيعية ، كثرة ينابيع  الماء العذبة  ، الجو المعتدل  ، وفرة الصخور وجذع الاشجار  لبناء الخنادق ، كلها من الاساسيات التي يعتمد عليها المقاتل في الروتين اليومي .
(14) وكما أسلفت كانت قمجا تجيد فن الحياكة والخياطة ، وفي اوقات الفراغ لاتخلو يديها من اثنين قلم الكتابة او ابرة الخياطة ، وفي ذلك اليوم الاليم كان دورها في الحراسة النهارية ، ومعها اثنين من المقاتلين (محمد سليمان) واخر اسمه (شوماي) ، ومن الطبيعي في الوردية النهارية احدهم من يبقي بكامل سلاحه ، ومستعد كما لو كان في معركة ، والبقية بامكانهم تنزيل كفوفهم ، ولان في ذلك اليوم كان احدهم مبيت النية ، تقدم وجلس في موقع المراقبة ، واخذ المنظار (الكشافة) ، وطلب من قمجا ومحمد سليمان اخذ راحتهم ، وفي اللحظة التي انزلوا فيها الكفوف والسلاح وقف وسحب سلاحهما خلفه  وصوب كلاشنه اليهما وطلب منهما التقدم  أمام الخندق وقال لهما : انتما معتقلان وسوف اسلمكما الي الجيش الاثيوبي .
(15 ) في البداية اعتقدا ان رفيقهما يمثًل عليهما ، ولكنه ركل برجله محمد سليمان وامره ان يتقدم مما سقط في منحدر سحيق  ، ورفضت (قمجا) اوامره وقفزت اليها بقوة وبحُرقة شديدة  باحثة عن كلاشنها لتدافع عن نفسها ، ولكن لم يمهلها فرصة التقاط البندقية ففرغ عليها رصاص الخزنة  ، وفي تلك اللحظة تدحرج امام الخندق محمد سليمان وسقط في  الخور ، وانقذ نفسه ، بفضل الغطاء النباتي وخلو المكان من الالغام .
(16) وبعد عملية القتل تحرك ( شوماي) متخفيا تحت الاشجار ، ومستغلا ر صخور الخور  رغم  امطارنا الوادي بوابل من رصاص الرشاشات الا انه أفلت وسلم نفسه الي العدو ، وللاسف الشديد كنت حينها انا في  موقع اخر في وحدات المراقبة النهارية ، وقد رأيته عبر المنظار وهو يقفز في دفاع العدو ، وقد قام العدو بتغطية كاملة ، للاعاقتنا من اصابته .
(17) فارقت قمجا  الحياة وقتياً ، واول من حضر اليها هو محمد سليمان ، عمل التفاف وجاء من الخلف ، ولكن بعد فوات الاوان ، وهكذا فقدنا مناضلة برصاصة مناضل وسلاح مناضل ، ومثل هذه الظواهر والاحداث لاتخلو منها مسيرة النضال   ، لذا كان يذكرنا الرفاق بمقولة ( حب رفيقك ..ولاتثق فيه) ،وقديما قيل اتق الشر من مأمنه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق