(10) عادت قمجا
من المشفي وقت سرييتنا في استراحة
خارج التحصينات الدفاعية ، وتقابلنا
بالصدفة ومعي ظِقي بنت مُلقي وكان برفقتها
مجموعة من المقاتلين ، وزاملتنا الي مورد الماء ، كانت مناسبة للمعرفة ، وتبادلنا
الحديث رغم تواضع لغتي التجرينية ، كانت مثال للفتاة التي قال: عنها شاعرنا الكبير
الراحل كجراي " ﻓﻲ ﺍﺗﻮﻥ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺗﺨﻄﻮ ﻓﻲ ﺍﻋﺘﺰﺍﺯ ﻭﺷﻤﻮﺥ ﻭﻭﺳﺎﻣﻪ" ، اذكر يوم الاصابة ولم تبك او تنيح ، بقدر ما
كانت مثابرة والجراح ينزف مخترقاً خرقة الضمادة ، بل كانت تساعد رفاقها في رفع
المجرحين الاكثر اصابة بالحمالة الي العيادة ، كانت قمجا طويلة ممتلئة ، لها قوام
متناسق و جميل ، قمحية الملامح ، عيونها بارزة ، ولها كاريزما
اجتماعية ،وصرامة انثوية ، يتدلي علي منكبيها شعر اشقر يشكل من وجهها استدارة
القمر ، لها مبسم اذا تكلمت اضاء القلوب ، واذا صمتت حرك الوجدان .
(11) قمجا لم تنل فرصة التعليم ، ولكنها كانت
مواظبة في استغلال الدروس الاكاديمية ، محبوبة بين الجميع ، تحب العمل بجنون ، وهي
من صنف النساء اللائي يشاركن في حفر الخنادق ، وقطع الاشجار ، وتكسير الصخور ،
وايضا كانت تحث رفيقاتها في مخيط ملابس الرفاق ، ومن رماة الحدق ودقة التصويب ،
والرشاش يتغني بين اناملها في اتون المواجهة .
(12) في المورد اخرجت من حقيبتها العسكرية ،
وناولتني صابونة حمام (ريكسونا) ، وتركت معها (ظقي) لحين ملأ الجركانات من عين
المخصصة للشرب ، وانتقلت للاستحمام في الجانب
الاخرمن الوادي ، ومن المعروف ان الصابون
لايصرف الا للنساء ، ولكنهن ابداً لايبخلن
به لرفاقهن .
(13) بعد انقضاء فترة الاستراحة ، اخذت وحداتنا موقعها
في الجناح الايسر للجبل ، وهي منطقة تعرجات تمتاز بالاودية العميقة والانحدارات
السحيقة ، والغطاء النباتي يُشكل قبة خضراء من الاشجار الباسقة ، اجمل دفاع شهدته
في حياة نضالي ، منطقة غنية بالموارد
الطبيعية ، كثرة ينابيع الماء العذبة ، الجو المعتدل ، وفرة الصخور وجذع الاشجار لبناء الخنادق ، كلها من الاساسيات التي يعتمد
عليها المقاتل في الروتين اليومي .
(14) وكما أسلفت كانت قمجا تجيد فن الحياكة
والخياطة ، وفي اوقات الفراغ لاتخلو يديها من اثنين قلم الكتابة او ابرة الخياطة ،
وفي ذلك اليوم الاليم كان دورها في الحراسة النهارية ، ومعها اثنين من المقاتلين
(محمد سليمان) واخر اسمه (شوماي) ، ومن الطبيعي في الوردية النهارية احدهم من يبقي
بكامل سلاحه ، ومستعد كما لو كان في معركة ، والبقية بامكانهم تنزيل كفوفهم ، ولان
في ذلك اليوم كان احدهم مبيت النية ، تقدم وجلس في موقع المراقبة ، واخذ المنظار
(الكشافة) ، وطلب من قمجا ومحمد سليمان اخذ راحتهم ، وفي اللحظة التي انزلوا فيها
الكفوف والسلاح وقف وسحب سلاحهما خلفه
وصوب كلاشنه اليهما وطلب منهما التقدم أمام الخندق وقال لهما : انتما معتقلان وسوف
اسلمكما الي الجيش الاثيوبي .
(15 ) في البداية اعتقدا ان رفيقهما يمثًل عليهما
، ولكنه ركل برجله محمد سليمان وامره ان يتقدم مما سقط في منحدر سحيق ، ورفضت (قمجا) اوامره وقفزت اليها بقوة وبحُرقة
شديدة باحثة عن كلاشنها لتدافع عن نفسها ،
ولكن لم يمهلها فرصة التقاط البندقية ففرغ عليها رصاص الخزنة ، وفي تلك اللحظة
تدحرج امام الخندق محمد سليمان وسقط في الخور ، وانقذ نفسه ، بفضل الغطاء النباتي وخلو
المكان من الالغام .
(16) وبعد عملية القتل تحرك ( شوماي) متخفيا تحت
الاشجار ، ومستغلا ر صخور الخور رغم امطارنا الوادي بوابل من رصاص الرشاشات الا انه
أفلت وسلم نفسه الي العدو ، وللاسف الشديد كنت حينها انا في موقع اخر في وحدات المراقبة النهارية ، وقد
رأيته عبر المنظار وهو يقفز في دفاع العدو ، وقد قام العدو بتغطية كاملة ،
للاعاقتنا من اصابته .
(17) فارقت قمجا الحياة وقتياً ، واول من حضر اليها هو محمد
سليمان ، عمل التفاف وجاء من الخلف ، ولكن بعد فوات الاوان ، وهكذا فقدنا مناضلة
برصاصة مناضل وسلاح مناضل ، ومثل هذه الظواهر والاحداث لاتخلو منها مسيرة النضال ، لذا كان يذكرنا الرفاق بمقولة ( حب رفيقك
..ولاتثق فيه) ،وقديما قيل اتق الشر من مأمنه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق