(5)
بعد اسبوعين من العلاج وفترة نقاهة في العيادة الميدانية للكتيبة ، وافقت العيادة في رفقة مجموعة الخبز الي حيث
ترابط سريتي في مواقع الحُصون
الامامية ، وبعد يومين من وصولي جاءنا أمر تحرك الي منطقة (كُوبي ) الجبهة الشرقية من جبل (بيزن ) ، بدأنا التحرك ليلاً بكامل العدة والعتاد ، ولان جسمي لا يزال في
حالة اعياء كنت احس بدوار ، الا انني
تمسكت بالبقاء في وحدتي ، وبدأنا نتسلق الجبل الصلد ، الذي يعتبر محمية طبيعية ،
تكثر فيها انواع النباتات المخضرة طوال السنة ، ويُعد كذلك من أفضل مراتع الرعي .
(6) هناك تفاصيل كثيرة في الرحلة التي استغرقت ليل كامل ، أمور
تتعلق بصحتي ، ومحاولات قائد المجموعة في مساعدتي واعفائي من الحمل ، وتجريدي من
السلاح ، ليمكنني من قدرة مواصلة الرحلة ،
وفي منتصف المسافة نفدت قوتي تماماً ، مما استدعي الامر اعادتي الي العيادة مرة
اخري ، واختير شاب ربما الاصغر في السرية اسمه محمد سليمان من منطقة قبي البو
بحلحل وجدنا انفسنا معا صدفة ولم نتعرف علي بعضنا البعض الا بعد شهور ، لا اعرف ان كان حياً أم رحل ضمن قوافل الشهداء ،
فارتميت علي الارض غير مبالي بطبيعة المكان ، ونمت نوما عميقا وبعد فترة صحوت مفزوعاً ووجدت رفيقي يراقب
احوالي ، ورايت الفجر يقترب فقد بدأ احمرار شفق الشرق ،
(7) وكسرت أوامر رفيقي ، وطلبت منه
مواصلة الرحلة حيث ترابط سريتنا ففعل ، طريق صعود الجبل صراط واحد لايصلح الا للراجلين او سير الدواب ، مثل البغال والحمير ،
في بعض المناطق خطر جدا لان الطريق منحوت نحتاً للامداد الحصون فيه ، ولذا الحركة
فيه لاتتوقف ليل نهار ، فكثافة الاشجار ساعدت المقاتل الاحتماء بها من رصد العدو المنطقة جوا وبراً ،
ووصلنا الي مواقعنا الجديدة بالسلامة ، بفضل الاجواء الصافية في ذلك اليوم .
(8) بعد مضي يوم او يومان نفثت سماء
بيزن ، براكينها وحممها واسقطتها علينا حتي
كاد الليل يتحول الي نهار من شدة اشتعال
الاخضر واليابس ، فتواصلت المعركة الهجومية علينا ، ثلاثة ايام دون توقف ، ففي
اليوم الثالث قابلت قمجا في دفن احد قيادات المجاميع اسمه محمد نور ، وقد كانت
الاصبات كثيرة جدا في صفوفنا، ولكن الشهداء قليلون جداً أغلبهم قيادات مجاميع ،
مقارنة بجثث القتلي في صفوف الاعداء المتناثرة أمام الخنادق والحصون ، وانتهت
المعركة الفعلية واستقرت الاوضاع ، وبقي القصف المدفعي متواصلاَ بكل انواعه ، وفي اليوم قبل الاخير ومن جراء
قذيفة دبابة التي اصابت الخندق وقلبت عاليه الي اسفله ، ورغم ذلك خرجنا سالمين انا ورفيقي حدرباي ، الا ان في الخارج
ادركتنا قذيفة مورتار نحن والذين قدموا لنا مساعدة الخروج من بين حطام الخندق
سقطنا جميعا صرعي نقلنا علي اثرها الي العيادة الميدانية ، التي تقع اسفل الجبل .
(9) اخذت فترة العلاج شهرين كاملين في
منطقة مُقَعْ بالساحل ، وعند العودة وجدت
الحصون آمنة ، من الهجمات ولكن لم تهدأ التراشقات المدفعية ، وفي ليلة من ليالي
الفاتح من سبتمبر فوجئنا بهجوم مباغت ، واعتقد كان مناورة لهجوم كاسح في الجهة
الشمالية للامتداد جبهة قندع ، والتي تبدأ
شمال الطريق الذي يربط المدينة بمصوع
واسمرا ، وقد انتصرنا علي الهجوم وكبدنا
العدو خسارة عظيمة في الارواح ، ولم تقع
خسائر في صفوفنا الا اصابات طفيفة من بينهم قُمجا ورزني واخرين التي اخترق طلق ناري يدها اليمني ، ونقلت الي
مستشفي الفرقة العسكرية في مقع بمنطقة قام
جيوا .
نواصل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق