https://web.facebook.com/darshh44/videos/588882547911378/
* أحمد الحناكي
في عهد الخليفة عمر بن الخطاب قدّم شاب مصري شكوى ضد محمد بن عمرو بن العاص، وإلي مصر في ذلك الوقت، وتبدأ القصة في سباق للخيل كان يقيمه محمد بن عمرو بن العاص، ويشارك فيه هذا المصري. وبعد أن فاز أحد الخيول في المسابقة قال محمد بن عمرو بن العاص: "إنها فرسي ورب الكعبة" كما صاح المصري في اللحظة نفسها: "إنها فرسي ورب الكعبة" فغضب منه محمد بن عمرو بن العاص وضربه بالسوط، وهو يقول: خذها وأنا ابن الأكرمين. خذها وأنا ابن الأكرمين. ومن أجل ذلك سافر من مصر إلى المدينة، وشكا المصري إلى الفاروق ما فعله ابن عمرو بن العاص فاستدعى عمْراً وابنه من مصر: وعندما قدموا وشاهد الابن فإذا هو خلف أبيه فقال عمر: "أين المصري؟" فقال الرجل: هأنذا فقال عمر: "دونك الدرة اضرب ابن الأكرمين، وكررها ثلاثاً" فضرب المصري محمد بن عمرو بن العاص حتى أوجعه، ولم يكتف عمر بن الخطاب بهذا الحكم بل قال للرجل: "ضعها على صلعه عمرو بن العاص، فو الله ما ضربك إلا بفضل سلطان أبيه": فقال المصري: يا أمير المؤمنين لقد ضربت من ضربني فقال عمر: "أما والله لو ضربته ما حلنا بينك وبينه" ثم التفت عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص وقال له: عبارته المشهورة "أيا عمرو! متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟" بعدها التفت إلى المصري وقال له وكأنه يطمئنه: "انصرف راشداً فإن رابك ريب فاكتب إليَّ".
كان موقف الفاروق أكثر عدلاً من أكثر الدول الديمقراطية الآن، فهو قد أنصف الشاب على حساب ابن عمرو من دون أن يسأل الابن فهو قد استشعر بالظلم بحدسه، بل إنه أراد حتى أن ينال عمرو نصيبه لولا أن الشاب اكتفى.
ليست الحرية أن تكون خارج المعتقل فقط، بل هناك حرية الرأي والخيار والتنقل والسفر والتعبير والمعتقد والكثير ممن مات كثيرون بسببها. وفي التاريخ القديم نتذكر عنترة الفارس الكبير الذي لم يقبل أي شيء ليقاتل عدا حريته، فهو كان مملوكاً لأبيه الذي لم يعترف به، وكان يرفض عتقه وعندما غزتهم إحدى القبائل وأحس شداد والده بالهزيمة قال له كر يا عنترة، فرفض، فقال له كر وأنت حر، وعندها امتشق سيفه وقلب المعركة عندما سمع تلك الكلمة السحرية التي حولته إلى منتشٍ بطعمها كما لم ينتعش من قبلُ. قبل عنترة بقرون وفي عهد الرومان برز سبارتاكوس الذي أصبح ملحمة فيما بعدُ؛ فهو كان مسلوب الحرية، كأمثاله من المستعبدين فقاد ثورة كبيرة لينال حريته، وعلى رغم أنه يعلم أن فرص النجاح ستكون ضئيلة فضل الموت على الاستعباد وقتل بعد معارك كبيرة، بيد أنه خلَّد اسمه رمزاً ومناضلاً. ولعل أحد روائع شاعرنا المصري الكبير أمل دنقل عرفتنا به قصيدته المسماة «كلمات سبارتاكوس الأخيرة»، إذ يقول: (المجد للشيطان.. معبود الرياح من قال: "لا" في وجه من قالوا: "نعم" من علّم الإنسان تمزيق العدم، من قال: "لا" .. فلم يمت، وظلّ روحاً أبديّة الألم).
كبير أنت يا سبارتاكوس وكبير أنت يا دنقل وأكبر من الجميع تلك الحرية التي يتطلع إليها كل من جُبلت نفسه الأبية على الكرامة، وهاهم شعبنا الفلسطيني العظيم الذي يقدم أبناءه كل يوم أرواحهم؛ فداءً لهذه الحرية التي يحاول الكيان المسخ انتزاعها منهم، ولكنه -وعلى رغم مجازره وطغيانه- لم يستطع ولن يستطيع ما دامت قلوب هؤلاء الأبطال متشبثة بحريتها ونضالها وحقها الأبدي المسلوب.
آه، ما أجمل الحرية! وما أجمل العدالة! هذان الصنوان اللذان لا يفترقان، فلا عدل بلا حرية ولا حرية بلا عدل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق