الثلاثاء، 19 مارس 2019

كتاب عن حياة وسيرة القاضي مرانت




تشرفت اليوم الثلاثاء 19مارس 2019م بزيارة اخ كريم بن اخ كريم ‏الاستاذ / عبدالفتاح الخليفة‎‎ قادما من مدينة الضباب ، مصدر الهام ‏المبدعين العاصمة البريطانية لندن ، وقد زارني في مركز تعبي ‏التعليمي في يوم استثنائي ،لان أغلب الزائرين من قبل يصادف في اوقات ‏العطلات او بعد اليوم الدراسي ، وحقيقة اضافت زيارته ارتياحاً ‏وسعادة لاتمحي ، بحضوره الكريم ، واهتمامه الكبير بالعلم والانسان ‏الاتري وخاصة عندما يكون الامر يتعلق بالنشئ ، ومما اسعدني أكثر ‏هو انه خصني باصدار كتابه الجديد ، الذي لم يطبع بعد ، وهو عن ‏رجل يعد شيخ المساجين في ارتريا في عهود الاستعمار و النظام الحاكم الحالي ، الشيخ ‏والمربي القاضي / محمد مرانت نصور المغيب في زنازين النظام منذ ‏‏17/7/1991م فرج ورفاقه الميامين ، الكتاب يتكون من ‏‏168 صفحة متوسط الحجم ، ويتناول بشكل مقتضب حياته وكذلك موجز سير ‏مجموعة كبيرة من سجناء الرأي والضمير ، واشكر الاستاذ / عبدالفتاح ‏للاهتمامه الاخوي والتوثيقي ، مع امنياتي له بمزيد من المؤلفات فهو ‏يعد خيرة ابناء البلاد الذين يتميزون بذاكرة وطنية ثرة ، فالجلوس عنده ‏متعة ، بل ومدرسة ، وباذن الله اتناول الكتاب ولو بقليل بتعريف ‏محتوي كنوزه وحتي ذلك الحين امنياتي لكم بالتوفيق . ‏

الثلاثاء، 12 مارس 2019

يوميات من سِفْر المرأة الارترية ‏- قُمْجَا الحلقة الثالثة والاخيرة



 (10)  عادت قمجا  من المشفي  وقت سرييتنا في استراحة خارج التحصينات الدفاعية  ، وتقابلنا بالصدفة ومعي ظِقي بنت مُلقي  وكان برفقتها مجموعة من المقاتلين ، وزاملتنا الي مورد الماء ، كانت مناسبة للمعرفة ، وتبادلنا الحديث رغم تواضع لغتي التجرينية ، كانت مثال للفتاة التي قال: عنها شاعرنا الكبير الراحل كجراي  " ﻓﻲ ﺍﺗﻮﻥ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺗﺨﻄﻮ ﻓﻲ ﺍﻋﺘﺰﺍﺯ ﻭﺷﻤﻮﺥ ﻭﻭﺳﺎﻣﻪ"  ، اذكر يوم الاصابة ولم تبك او تنيح ، بقدر ما كانت مثابرة والجراح ينزف مخترقاً خرقة الضمادة ، بل كانت تساعد رفاقها في رفع المجرحين الاكثر اصابة بالحمالة الي العيادة ، كانت قمجا طويلة ممتلئة ، لها قوام متناسق و جميل   ، قمحية الملامح ، عيونها بارزة ، ولها كاريزما اجتماعية ،وصرامة انثوية ، يتدلي علي منكبيها شعر اشقر يشكل من وجهها استدارة القمر ، لها مبسم اذا تكلمت اضاء القلوب ، واذا صمتت حرك الوجدان .
(11) قمجا لم تنل فرصة التعليم ، ولكنها كانت مواظبة في استغلال الدروس الاكاديمية ، محبوبة بين الجميع ، تحب العمل بجنون ، وهي من صنف النساء اللائي يشاركن في حفر الخنادق ، وقطع الاشجار ، وتكسير الصخور ، وايضا كانت تحث رفيقاتها في مخيط ملابس الرفاق ، ومن رماة الحدق ودقة التصويب ، والرشاش يتغني بين اناملها في اتون المواجهة .
(12) في المورد اخرجت من حقيبتها العسكرية ، وناولتني صابونة حمام (ريكسونا) ، وتركت معها (ظقي) لحين ملأ الجركانات من عين المخصصة للشرب ، وانتقلت  للاستحمام في الجانب الاخرمن  الوادي ، ومن المعروف ان الصابون لايصرف الا للنساء  ، ولكنهن ابداً لايبخلن به لرفاقهن .
(13) بعد انقضاء فترة الاستراحة ، اخذت وحداتنا موقعها في الجناح الايسر للجبل ، وهي منطقة تعرجات تمتاز بالاودية العميقة والانحدارات السحيقة ، والغطاء النباتي يُشكل قبة خضراء من الاشجار الباسقة ، اجمل دفاع شهدته في حياة نضالي  ، منطقة غنية بالموارد الطبيعية ، كثرة ينابيع  الماء العذبة  ، الجو المعتدل  ، وفرة الصخور وجذع الاشجار  لبناء الخنادق ، كلها من الاساسيات التي يعتمد عليها المقاتل في الروتين اليومي .
(14) وكما أسلفت كانت قمجا تجيد فن الحياكة والخياطة ، وفي اوقات الفراغ لاتخلو يديها من اثنين قلم الكتابة او ابرة الخياطة ، وفي ذلك اليوم الاليم كان دورها في الحراسة النهارية ، ومعها اثنين من المقاتلين (محمد سليمان) واخر اسمه (شوماي) ، ومن الطبيعي في الوردية النهارية احدهم من يبقي بكامل سلاحه ، ومستعد كما لو كان في معركة ، والبقية بامكانهم تنزيل كفوفهم ، ولان في ذلك اليوم كان احدهم مبيت النية ، تقدم وجلس في موقع المراقبة ، واخذ المنظار (الكشافة) ، وطلب من قمجا ومحمد سليمان اخذ راحتهم ، وفي اللحظة التي انزلوا فيها الكفوف والسلاح وقف وسحب سلاحهما خلفه  وصوب كلاشنه اليهما وطلب منهما التقدم  أمام الخندق وقال لهما : انتما معتقلان وسوف اسلمكما الي الجيش الاثيوبي .
(15 ) في البداية اعتقدا ان رفيقهما يمثًل عليهما ، ولكنه ركل برجله محمد سليمان وامره ان يتقدم مما سقط في منحدر سحيق  ، ورفضت (قمجا) اوامره وقفزت اليها بقوة وبحُرقة شديدة  باحثة عن كلاشنها لتدافع عن نفسها ، ولكن لم يمهلها فرصة التقاط البندقية ففرغ عليها رصاص الخزنة  ، وفي تلك اللحظة تدحرج امام الخندق محمد سليمان وسقط في  الخور ، وانقذ نفسه ، بفضل الغطاء النباتي وخلو المكان من الالغام .
(16) وبعد عملية القتل تحرك ( شوماي) متخفيا تحت الاشجار ، ومستغلا ر صخور الخور  رغم  امطارنا الوادي بوابل من رصاص الرشاشات الا انه أفلت وسلم نفسه الي العدو ، وللاسف الشديد كنت حينها انا في  موقع اخر في وحدات المراقبة النهارية ، وقد رأيته عبر المنظار وهو يقفز في دفاع العدو ، وقد قام العدو بتغطية كاملة ، للاعاقتنا من اصابته .
(17) فارقت قمجا  الحياة وقتياً ، واول من حضر اليها هو محمد سليمان ، عمل التفاف وجاء من الخلف ، ولكن بعد فوات الاوان ، وهكذا فقدنا مناضلة برصاصة مناضل وسلاح مناضل ، ومثل هذه الظواهر والاحداث لاتخلو منها مسيرة النضال   ، لذا كان يذكرنا الرفاق بمقولة ( حب رفيقك ..ولاتثق فيه) ،وقديما قيل اتق الشر من مأمنه .

الأحد، 10 مارس 2019

يوميات من سِفْر المرأة الارترية ‏: #قُمْجَا الحلقة الثانية





‏(5)   بعد اسبوعين من العلاج وفترة نقاهة في العيادة الميدانية للكتيبة ،   وافقت العيادة في رفقة مجموعة الخبز الي حيث ترابط سريتي في  مواقع الحُصون الامامية  ، وبعد يومين من وصولي  جاءنا أمر تحرك الي ‏منطقة (كُوبي )  الجبهة الشرقية من جبل (بيزن )  ، بدأنا التحرك ليلاً  بكامل العدة والعتاد ، ولان جسمي لا يزال في حالة اعياء كنت احس بدوار  ، الا انني تمسكت بالبقاء في وحدتي ، وبدأنا نتسلق الجبل الصلد ، الذي يعتبر محمية طبيعية ، تكثر فيها انواع النباتات المخضرة طوال السنة ، ويُعد  كذلك من أفضل مراتع الرعي .

(6) هناك تفاصيل كثيرة في الرحلة التي استغرقت ليل كامل ، أمور تتعلق بصحتي ، ومحاولات قائد المجموعة في مساعدتي واعفائي من الحمل ، وتجريدي من السلاح ، ليمكنني من قدرة  مواصلة الرحلة ، وفي منتصف المسافة نفدت قوتي تماماً ، مما استدعي الامر اعادتي الي العيادة مرة اخري ، واختير شاب ربما الاصغر في السرية اسمه محمد سليمان من منطقة قبي البو بحلحل وجدنا انفسنا معا صدفة ولم نتعرف علي بعضنا البعض الا بعد شهور  ، لا اعرف ان كان حياً أم رحل  ضمن قوافل الشهداء ، فارتميت علي الارض غير مبالي بطبيعة المكان ، ونمت نوما عميقا  وبعد فترة صحوت مفزوعاً ووجدت رفيقي يراقب احوالي ، ورايت  الفجر يقترب فقد بدأ احمرار شفق الشرق ،
(7) وكسرت أوامر رفيقي ، وطلبت منه مواصلة الرحلة حيث ترابط سريتنا ففعل ، طريق صعود الجبل صراط واحد لايصلح الا  للراجلين او سير الدواب ، مثل البغال والحمير ، في بعض المناطق خطر جدا لان الطريق منحوت نحتاً للامداد الحصون فيه ، ولذا الحركة فيه لاتتوقف ليل نهار ، فكثافة الاشجار ساعدت المقاتل  الاحتماء بها من رصد العدو المنطقة جوا وبراً ، ووصلنا الي مواقعنا الجديدة بالسلامة ، بفضل الاجواء الصافية في ذلك اليوم  .

(8) بعد مضي يوم او يومان نفثت سماء بيزن ، براكينها وحممها  واسقطتها علينا حتي كاد الليل  يتحول الي نهار من شدة اشتعال الاخضر واليابس ، فتواصلت المعركة الهجومية علينا ، ثلاثة ايام دون توقف ، ففي اليوم الثالث قابلت قمجا  في دفن  احد قيادات المجاميع اسمه محمد نور ، وقد كانت الاصبات كثيرة جدا في صفوفنا، ولكن الشهداء قليلون جداً أغلبهم قيادات مجاميع ، مقارنة بجثث القتلي في صفوف الاعداء المتناثرة أمام الخنادق والحصون ، وانتهت المعركة الفعلية واستقرت الاوضاع ، وبقي القصف المدفعي متواصلاَ  بكل انواعه ، وفي اليوم قبل الاخير ومن جراء قذيفة دبابة التي اصابت الخندق وقلبت عاليه الي اسفله ، ورغم ذلك خرجنا  سالمين انا ورفيقي حدرباي ، الا ان في الخارج ادركتنا قذيفة مورتار نحن والذين قدموا لنا مساعدة الخروج من بين حطام الخندق سقطنا جميعا صرعي نقلنا علي اثرها الي العيادة الميدانية ، التي تقع اسفل الجبل .
(9) اخذت فترة العلاج شهرين كاملين في منطقة مُقَعْ  بالساحل ، وعند العودة وجدت الحصون آمنة ، من الهجمات ولكن لم تهدأ التراشقات المدفعية ، وفي ليلة من ليالي الفاتح من سبتمبر فوجئنا بهجوم مباغت ، واعتقد كان مناورة لهجوم كاسح في الجهة الشمالية للامتداد جبهة قندع  ، والتي تبدأ شمال الطريق الذي يربط المدينة  بمصوع واسمرا ، وقد انتصرنا علي الهجوم  وكبدنا العدو خسارة عظيمة في الارواح  ، ولم تقع خسائر في صفوفنا الا اصابات طفيفة من بينهم قُمجا ورزني واخرين  التي اخترق طلق ناري يدها اليمني ، ونقلت الي مستشفي  الفرقة العسكرية في مقع بمنطقة قام جيوا .
نواصل 

الجمعة، 8 مارس 2019

يوميات من سِفْر المرأة الارترية ‏(قُمْجَا) الحلقة الاولي : ‏


‏(1) وفي طريقنا الي التلة المسعورة (تَبا بَارٍع ) التي لاتهدأ من قصف ‏الهاونات ، ووابل الاسلحة الخفيفة البرين والكلاششن وما يماثلهما، توقفنا عند وادي ‏ماي أَتكموم ، الذي تغني بعذوبة ينابيعه الفنان المبدع سعيد عبدالله ادام الله عليه الصحة والعافية ، وأخذنا حمام شمسي ‏، ولم يستمر الوقت كثيرا حتي عاود القصف المدفعي لخلفية دفاعات ‏قندع حديثة التكوين ، مما خلا الوادي في دقائق وجيزة ، ولكن لم ‏تنقطع الحركة فيه ، لانه الممر الوحيد الذي يرابط عبر روافده المتاريس الامامية ، ‏وكانت القذائف تسقط امامنا محدثة دوي واهتزاز يهز الارض من ‏تحت اقدامنا ، وادخنة تتصاعد كضباب الربيع تتمدد من بين أغصان الاشجار الكثيفة ، ‏‏ ونجد اثار ما خلفه السقوط في طريقنا ، من شظايا بقايا الانفجار ‏، واغصان الشجر مرمية علي الممر ، وحفرة احرقت العُشب الجميل أو قذفت بها هباء منثورا ، وعرت الارض من ‏كسائها الرائع ، اشبه بقرح العلة في رأس ادمي .‏
‏ (2) وعند منعطف الصعود الي التلة ، أدركنا بثلاثة فتيات اسمائهن ‏فرويني ، شريفو ، قمجا ، وكانت بحوزتهن جركانة مملوءة بالماء ‏تسمي فاشستي ، لانها أكبر بربع الكمية من الجركانات العادية ، لذا ‏سميت بذلك الاسم في عرف الميدان نسبة لكبرها عن قريناتها ، ‏وتناول رفيقي منهن الجركانة رغم رفضهن والحاحهن ، ومع ذلك ‏سحب منها ووضعها في كتفه وانطلق مسرعا ، صاعداً جبل شقي ، ‏تَقل فيه الحجارة الصلبة والتربة المتماسكة ، يحتوي علي كتل صخرية ‏رملية تعرض الماشي عليها للانزلاق والاضرار البليغة ، لهذا قد ‏صمم المقاتلين ممشي آمن للافراد ، ولكنه مكشوف احياناً امام ‏قناصات العدو .‏
‏(3) وبعد عدة دقائق ، سَحبتُ الجركانة من رفيقي ، ‏ووضعتها علي كتفي وللحقيقة في ثقافة الميدان ، لاتنتظر رفيقك او ‏رفيقتك حتي تنهار من التعب ، وانما تبادر تناول الشئ المحمول قبل ‏ان تفتر قواه ، ولاني كنت أحس بفتر غير معتاد ، خبئت الامر كعادة الثوار ، لم يدم دوري لثواني فقد تمايل حيلي ، وظهر ذلك في خطواتي ، مما ‏تدخلت (قُمجا) ونزعت المحمول مني ، وحينها هويت علي الارض حتي ظن رفاقي اني اصبت بعيار ناري أو قذيفة مورتار ، ‏واظلمت حولي كل شئ ، تقبلني رفيقي ووضعني بين يديه ، ‏وجنبني في زاوية من الطريق ،، وشعر بحرارة شديدة علي جسمي ، وتأكد له سلامة الاصابة .
(4) وصب الماء علي راسي من ‏زمزميته ، وما تبقي من الماء خلطه ببدرة (جلكوز ) وسقاني كما ‏يسقي الطفل الرضيع ، وقبل وصول الجرعة الي المعدة ، ‏قابلتها نافورة رمت مابها الي الخارج ، فقدت الحيل حينها، ولكني شعرت براحة ، ‏ولان القصف مستمر ، تحركنا حتي لانصَاب في العراء بأذي من جراء القصف وعند الوقوف لم اتمالك نفسي وسقطت مغشياً للمرة الثانية ، وزغللت ‏عيني مما استدعي الامر الي حمالة (باريلا) ، واستعصي بسبب ‏ظروف القصف ، ارسال نداء الاستغاثة ، فحاولا رفعي ، ولكن الامر ‏ليس بالسهل في حالة الصعود الي الاعلي ، لذا ‏وضعاني علي حواف جذور شجرة ، واسندا راسي بعشب اخضر ، وانطلق ‏رفيقي كالصاروخ يزحف حينا ، ويجري حينا اخر ، وقمجا بقيت ‏بجواري ، تضع الكمادات في جبهتي ، وتحركني يمنا ويساراً بغرض ‏الاطمئنان علي حالتي ، حتي حضر رفيقي ومعه شابان ، أعادوني الي ‏الخلف الي عيادة الكتيبة . واكتشف لاحيقاً انها الملارية اللعينة . ‏
‏(5) عدت الي الدفاع بعد اسبوعين تقريباً من العلاج وفترة النقاهة ، وبعد يومين منالعودة الي فصيلتي جاء الينا أمر تحرك الي ‏منطقة (كُوبي ) الجبهة الشرقية من جبل (بيزن ) ،، ففي رحلة صعود ذلك الجبل الصلد قصة اخري. ‏وموعدنا مع احداث ‏الحلقة القادمة ‏.