(1) كثيراً ما تمر علينا مقالات واحاديث النهي عن البكاء في الامور التي مضت وانتهت ، وعدم الاكتراث والتوقف عندها ، حتي لاتسرق منا الحاضر والمستقبل ، ومن يفعل ذلك نصفه كمن يبكي علي " الللبن المسكوب " وهو توصيف رائع اذا كان الامر كذلك .. ولكن اذا كان الامر يتجاوز حدود المعقول ، ويملأ اللبن المسكوب مجاري الاودية والفيافي ، ويغطي السهول وسفوح الجبال ، لاشك ان الامر جلي ويستحق التوقف والبكاء عليه حسرة وتندماً .
(2) بعض شعوب العالم تقيم مهرجاناتها باعدام الاطنان من الطماطم ، حتي لو دولتها لاتنتج محصول تلك النعمة المهدرة تستورده من الخارج للاقامة المناسبة الاحتفالية ، وهي عادة وثقافة شاذة تخالف الطبع الانساني .. والمشهد وان كان يسوقنا للحزن اكثر من الفرح اذا ما قورن الحدث بحوجة الانسانية للثروة المهدرة في امور فارغة .. الا انه لايقل اهمية من ثرواتنا كارتريين التي تهدر بلا وعي او بوعي .
(3) لاننا نحن الارتريون اصحاب قضية ، بمعني اننا مدانون للوطن بالغالي والنفيس ، نسترخص الارواح والمهج للاجل استقلاله وبقائه حرا وسيداً علي نفسه علي الاقل اسوةً ببقية شعوب العالم ، ولذلك لم يتوان الاجداد والاباء في الجهاد والنضال المستميت للاجل استرداده ، لذا تسمي "ارتريا هدية الشهداء " وهي أمانة في اعناقنا ، واذا كان الاباء حرر البلاد من المستعمر البغيض ، فقضية استرداد الحقوق من النظام الحاكم المستبد هي مسؤولية الجيل الحالي ، فالاحق ان تموت النفوس في ارضها وهي تطالب و تقاتل الاخطبوط البشري الجاثم علي صدر البلاد ، بدلا من الموت في الصحاري والغرق في البحور ، الاحق بنا ان تموت بكل شرف ونسجل اسمائنا في سجل الخالدين الابرار بدلا من ان نكون اسماء في طي النسيان .. كما القائل : "اذاكان من الموت بد فمن العار ان تموت جباناً" ، الموت في تاريخ الشعب الارتري فراسة وامنية ، مادام للاجل امر مقدس كالموت في سبيل الوطن واسترداد الحقوق .
(4) فيا اخوتي ماذا تنتظرون من كوارث الحياة أكثر من حالنا ؟؟! الموت المجاني في عرض البحر ، الموت المجاني في قفر الصحاري ، البيع المجاني لتجار البشر ، العرض المنتهك في كل بقعة وشبر العالم ، أي كارثة تنتظرون ؟؟ اسوأ من حالنا البائس شباب لايفكر الا بالفِرار بجلده ، وينسي ابيه المعتقل وامه المغتصبة واخته المستباحة !! من ننتظر ان يأخذ بثارنا ؟ من ننتظر يقتلع قاتلينا وجلادينا ؟؟ من ننتظر ان يزيل نظام يهجر ويبيع ويشتري فينا وفي اراضينا ؟؟
(5) الوضع كارثي حينما نخرج من الوطن بثقوب لاتُري بالعين المجردة ، وبكفالة تقدر بآلاف الدولارات ، وعندما نصل الي بر الامان بارواحنا ننسي قضيتنا وقضية شعبنا ، ننسي حتي من دفع لنا فدي العبور الي الدول التي جعلناها غاية لنا ، ولانكتفي .. بل نصرف الاموال ونهدرها في اقامة مهرجانات الشقاق والسباب ، ومناسبات الافراح والاعراس ، غير مكترثين بالجوعي والمحتاجين في داخل الوطن وفي مخيمات اللجوء ، حتي اضحت سيرتنا حديث القاصي والداني .
(6) فاذا كانت بعض الشعوب تتلاعب بالنعم فهي تملك قرارها وتتحكم في حكم اوطانها ، فنحن نتفاخر ونتباهي في غير بلداننا ، ونصرف الغالي والنفيس في امور ليس من أولوياتنا ، وشعبنا يئن من الجوع والعذاب ، افيقوا ايها الناس يرحمكم الله ، وضعوا التباهي جانباَ ، وتحرروا من شرور النفوس وحكم الشيطان ، وتمسكوا بحبل الوفاق ، واستعينوا بسبل تعجل برحيل النظام ، لا احد سوف يزيله عن صدر الوطن الا نحن ،، ولايمكن ان تقيف قوة في الارض امامنا اذا ما توحدنا في الهدف قولا وعملاً .
(7) فصدقاتنا وذكاواتنا وتبرعاتنا ومنصرفات احتفالاتنا ومناسبات افراحنا يجب ان تسخر لجبهة ازالة النظام ، واقامة دولة المواطنة والقانون ، نتجنب الفرقة والشتات وتجمعات المؤتمرات الجهوية ، ونصرف المال في التعليم واعانة المحتاجين .. وتنمية مراكز الوعي الوطني ،، فالحلول في ايدينا .. فلولم يحدث ذلك ليس بمقدور أحد فينا سوي الوقوف والبكاء علي اللبن المسكوب ، حتي يكتب الله أمراً كان مقضياً .