الأحد، 2 ديسمبر 2018

عونا






(1)علي خلفية المقال الذي تناولت فيه مذبحة بسكديرا وعونا ، اتصل بي بعض الاخوة المهتمين بالشأن الارتري ولهم دراية بالحدث واشكرهم علي المعلومات الاضافية ، وكذلك اشكر المعلقين في المقال ، والذين تركوا  اعجابهم  الذي لايقل من حيث الاهمية عن المعلقين ، لان الاعجاب له مدلول قوي في عالم الشبكة الاسفيرية .
ولتعميم الفائدة اخترت  كتابة المعلومات الاضافية في مقال منفصل ، واتمني ان يستمر العطاء ، والذي لم يتمكن من الطلة في العام ، اتمني ان يتواصل معي في الخاص ، واهتمامي بعونا وذكراها المؤلمة اردت توثيق باستغلال المناسبة وليس الامر بقصد نبش الماضي وتذكير الناس بماسيه القاسية ، وان كان الوضع الحالي لا يقل فجيعة منه .
(2) وقصة عونا وتوأمتها بسكديرا ، يدور حولهما لغط كثير ، عن اسباب وقوع الحادثة ، رغم انهما لم تقترفا ذنباً حتي يصيبها غضب العدو الذي لايفرق بين الاخضر واليابس ، البعض يعتقد انها مؤامرة الكماندوس (الشرطة الارترية) ضد المسلمين ،لان الكماندوس كان يشكل افرادها اغلبية مسيحية وكذلك قياداتها النافذة  ، والبعض الاخر   يوصمها بأنها طائفية تخدم مصالح التجرينية والتقاروا الذين كانوا يخدمون اجندة حزب (الاندنت)  الوحدة مع اثيوبيا  الذي تواطأ مع اثيوبيا في ضم ارتريا اليها وجعلها الاقليم الرابع عشر .
(3) وقد اجتهدت في تقديم اجابة مفيدة  بالاتصال مناضلين في جبهة تحرير ارتريا و مواطنين لهم دراية كافية بالاحداث ، واذا كان من بينكم له اضافة الباب مفتوح الموضوع ليس حكراً علي احد او مجموعة معينة  ، وقصة عونا تبدأ من الارهاصات التي كانت تدور في قصر الامراطور هيلي سلاسي (قوة الثالوث ) امبراطور اثيوبيا الاعظم ، ان خادم الامبراطور في ارتريا (اندراسي) ضعيف الشخصية ، وغير قادر في القضاء علي مجموعة قطاعي الطرق (الشفتا) تجعل من جبال وأودية السنحيت  مكان تمركز  ، ولهذه الاسباب اصدر الامبراطور مرسوماً بتفويض الجنرال تشومي ارقتو في استعمال القوة المطلوبة ، واذا اقتضي الامر بامكانه  ان يبيد الشعب الارتري بتبني سياسة الارض المحروقة ، وتجفيف البحر اذا اراد قتل السمك ، وأول ما وصل ارقتو الي اسمرا ، اصدر بياناً يهدد فيه الثورة الشعب الارتري انه  سوف لايرحم كل من يقف مع المارقين والفالتين ، وانه جاء  للقضاء علي قطاع الطرق في ايام معدودات ، وتطهير البلاد منهم  ، وفي المقابل استوعبت  جبهة تحرير ارتريا الرسالة ، واعدت العدة  لتلقينه درساً لن ينساه الامبراطور المتغطرس .
 (4) فوضعت خطة الاولي كمين عسكري في عقبة( لبي تقراي) لمواجهة الجيش اقادم من اسمرا  وكمين اخر بالقرب من حليب منتل علي تلال قرية (درق) لسد اي نجدة قادمة من كرن ، وفي يوم 21 نفمبر 1970م  أعد كميناً محكماً  قام افراد هندسة الثورة في  زرع الغام الاليات في تعرجات عقبة (لبي تقراي ) المشهورة التي تقع في الطريق الذي يربط  اسمرة ـ بكرن ، وبالفعل نجحت الخطة في تعطيل موكب الجنرال الذي كان يتكون أكثر من 50 سيارة محملة بالجيش النظامي الاثيوبي والكماندس الارتريين  وسيارات صغيرة للقيادات العسكرية .
(5)وعند اصابة اللغم احدي الشاحنات التي تقود الموكب فتح الثوار نيران بنادقهم ورشاشاتهم علي الجنود ، وضرب وقود السيارات الذي زاد من الاشتعال ، وهلك عدد كبيرمن عساكر العدو جراء سقوط الشاحنات في منحدرات الاودية السحيقة . وجرت معركة كبيرة  سريعة ومباغته نتج  عنها خسائر كبيرة في الارواح والعتاد علي راسهم هلاك الجنرال  "تشومي ارقتو " ،الذي نفق قبل ان يحقق شيئاً  ، ومات معه عدد من الرتب الكبيرة ،وميئات من الجنود ، تاركاً خلفه عاراً لايمحي من جبين الامبراطورية .
كان قائد العملية الشهيد/ قبرهيوت ود حمبرتي (  قائد سرية) والذي استشهد لاحقا في معارك بقو ،  وقائد سلاح الهندسة المناضل جمعة أبو الخير .
(6) وكانت قوات الكماندوس في كرن  في اهبة الاستعداد للاستقبال القائد الجديد الذي سوف يخلصهم من قطاع الطرق الي الابد ، ولكن تاتي الرياح بما لاتشتهي السفن ، وصلتهم اخبار عبر اللاسلكي غير العادة تفيد بوقوع الجيش في كمين و يخوض معارك ضارية مع قوات الشفتا .. وتحركت علي وجه السرعة قوافل السيارات  لنجدة  الجيش القادم من اسمرا ، ووقعت هي نفسها في كمين اخر علي مقربة من  قرية (حليب منتل) من قبل سرية الشهيد عثمان صالح علي ، ودارت معركة حامية وطيس تكبد الكماندوس خسائر فادحة في الارواح والعتاد ، وعادت بقية قوات العدو القهقهري الي كرن . 
(7) وفي يوم 27 نوفمبر، جاء دعم عسكري كبير  لقوات العدو الي كرن ، وتحركت في اتجاه شمال كرن في قري فرحن وبسكديرا وباب جنقرين وما يواليها ودارت معارك متفرقة مع الثوار ، وقد هرب سكان القري بعضهم الي كرن والاخر الي الريف ، الا قريتي (بسكديرا وعونا)  قد فضلتا البقاء رغم الحاح الثوار عليهم بالهروب وترك القرية وخاصة سكان بسكديرا ، وقد رفضوا مناشدات الثوار حتي جاءت القوات العائدة من معارك الثوار من جهة باب جنقرين ، وطلبت من سكان بسكديرا التجمع المسلمين في المسجد ، والمسيحيين في الكنيسة ، ورفض الاعيان وقالوا لن نفترق فنحن اخوة لحم ودم  لاتفرقنا اماكن العبادة .. فأدخلوهم جميعاً في المسجد وأمطروهم بالرصاص فاختلطت الدماء الطاهرة لتروي تراب الوطن ،، وتغيظ العدا . .. ودفن الجميع في مقبرة جماعية واحدة يقدرون ب 120 شهيداً ،، وهذه واحدة من المآثر الشجاعة وقيمة تجسد وحدة الارادة الوطنية في تحد الاعادي .
 (8) قرية عونا قاطنيها الاصليين عد شبوت السواد الاعظم مسيحيين ، تقع  في طريق كرن ـ افعبت  ، كرن ـ حلحل علي بعد كيلومترات شمال المدينة  وقد نزحت اليها سكان القري المجاورة لكرن ومن ضاحيات مديرية سنحيت لظروف متعددة ، وكانت تعد معقل  اساسي للثوار ، وعبرها يتسللون الي المدينة ويُدخِلون السلاح اليها ويهربون المؤن والادوية الي الثوار ، وكثير ما انتهت اثار مطاردات منفذي العمليات الفدائية عند عونا ، ولذا كانت مصدر تهديد دائم للعدو ، وحتي تكون عبرة لغيرها وانتقاماً لروح  الجنرال تشومي  وصل العدو الي قناعة اذا لم ترحل عونا عن الوجود سوف لن يهدأ له بال ، ففي  صبيحة الاول من ديسمبر من نفس العام اصدرت السلطات قراراً بفرض حصار محكم علي سكانها وابادتهم وحرق بيوتها علي رؤسهم ،  بعلل ايواء الشفتا ومعاونتهم في تنفيذ عمليات فدائية في كرن .. وكانت المجزرة التي راح ضحيتها ما بين (800الي الف ) شهيد من الاطفال والكهل والشيب والشباب ، وفي رمشة عين اصبحت اثر بعد عين خلفت ورائها ارض جرداء خالية من النبات والحيوان .  
مما سبق نستخلص ان مجزرتي عونا وبسكديرا ، هي ضحية تراكمات بدأت منذ تاسيس جبهة تحرير ارتريا في عام 1961م ، فريف اقليم سنحيت كان ثورياً خالصا ، ومدينة كرن كانت مصدر اشعاع في تغذية الثورة بالمتعلمين والدارسين ، حتي وصفها العدو (كرن برميل سم) ويقصد بالسم الثوار الارتريين .. المجد والخلود لشهدائنا الابرار والخزي والعار للمستبد الباغي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق