السبت، 25 يونيو 2016

مسيرة جنيف ..بداية الزحف الى اسمرا

(1) اعادتنى الذاكرة  للايام دخول الجيش الشعبى لتحرير ارتريا  العاصمة اسمرا  1991م  منتصراً على جيش اكبر ترسانة عسكرية فى افريقيا ، واستقبل من قبل الشعب الارتري  بالورد والاغصان الخضراء ، يرسم على وجهه فرحة عارمة ،  بخروج الاستعمار الاثيوبى من غير رجعة ، يذكرنى زغردة الامهات وصيحات  الشباب والاطفال فى الشوارع والطرقات "وَسدى جِقْنَا بَعَلْ قُمْطَا سِرى " شعارعفوى حمل كل دلالات الانتصار بقوة البطل الذى تصدى لكل محاولات طمس الهوية الوطنية ، وألجم فتن وذرائع المتخاذلين من ابناء الوطن  ، وانتزع حقه بعزيمته ، ونال شرف البطولة   ، كان ذلك مشهدا ، خالدا لايمحى من  الذاكرة ، باقى .. ولو حاولت الفيئات الضالة والمضللة ، الى تغيب نتائجه كما غيبتْ صنَّاعه .

(2) شعبنا الارتري شعب محب للسلام ، ومحب للعدالة ، وشعب محترم ، وطيب الخصال ، مهما طالته الايادى القذرة ويساوم البعض على اذلاله ، واضعاف قوته ، فهو مازال صامداً ، متحديا عوائق الاعادى ، مناضلا ضد الاستبداد ، ومناوئاً كل اشكال الظلم والعبودية ، وان تعرضه للاسوأ الافعال الغير لائقة بالحيوان ناهيك الانسان لايزيده الا قوة وصلابة ، وكذلك تعرضه لمختلف صنوف الافعال تعجز الكلمات هنا وصفها .. من قتل وذبح ، واختطاف ، وتعذيب ، وتهديد وترويع ، وخراب ديار ، وسلب الابناء والاموال ، تحت غطاء فزورة حماية الوطن ، وفى ظل غياب الدستور وحكم القانون ، من قبل حكام ، عديمى الرحمة و الضمير ، ينامون على ازهاق الارواح وسيل الدماء ، ويصحون على لعلعة الرصاص وحصد الابرياء .. سوف تجعل منه رمزا للكرامة والفداء.. ورسول سلاما الى الانسانية جمعاء .

(3) هؤلاء المأمونون  على الوطن ، انقلبوا على المواطن ، وصار الوطن ضحية هذه الشرذمة من ذئاب البشر ، واصبح الاب الذى قضى حياته يكد ويكافح ،" يد تزرع ويد تقاتل"، مجرما ، مصيره  السجن ، ويالته سجناً ، فهو قبر  لدفن الاحياء ، دون تهمة او دليل ادانة ، فقط جريمته شاهد على التاريخ ، ويحمل ذاكرة النضال  ، ولان اللص يحتاج الى طمس الاثر ومعالم التعريف ، فقد فعل الحكام  الجدد الذين تظاهروا بالوطنية وساروا فى مسيرة النضال كسرى السم فى مجرى الدم ، وتغلغلوا حتى نالوا ارفع المناصب القيادية ، وفى كل مرحلة من عمر النضال ،  كانوا يدبرون القتل والتصفيات الجسدية ويخرجون من جرمهم كالشعرة من العجين ، هؤلاء الدجالين الذين يحكمون شعبهم بالحديد والناراليوم  ، ويقتلون ويدمرون الوطن تارة باسم حماية الوطن ، وتارة اخرى باذلال الشعب بدعوى تغيير المفاهيم الاجتماعية تحت مسميات (ثقافة جديدة لمجتمع جديد ) انهم حكام السوء  "الهقدفية " اللعينة ، بذرة فاسدة نمت وكبرت على تراب الوطن ، تتلون كالحرباء ، وتنتشر اطرافها كالاخطبوط   للانقضاض على الوطن الفريسة . 

(4) الشعب الارترى ذاق الويل على مر الخمسة والعشرين عاما الماضية  من حكم الطغمة الحاكمة ، فى ارتريا ، الجاثمة على جماجم الشرفاء ، من المناضلين ، والابرياء من شعبنا ، انها حكومة لايعترف بها الا ظالم ومستبد ، ومرتزق ومدسوس ، تعيش حياتها على مص دماء الابرياء ، و مصدر رزقها على ازهاق ارواح الشرفاء ، ولم تتح فرصة  لشعبنا للتعبير فاصبح كل من تكلم بالحق مصيره القتل والتغييب ، ومن هرَّب ابنه الى خارج البلاد يتم مصادرة ماله وداره ، وتقييده الى مكان مجهول ، شعبنا يعيش فى ظل نظام مستبد يقتل ويعذب ، ويغتصب فى وطنه ، وكل من لاتعجبه هذه الاحكام مصيره الجب والقبور  ، لنا الالاف من المغيبين منذ الحرية حتى لحظة كتابة هذه السطور ، كل يوم لايمر على شعبنا  دون ان يذيق  شرب الحميم ، ودون ان يتعرض لسوط العذاب ، اضحت ارتريا جحيم الارض ، ومركز كل الارهاب ، انها معتقل كبير تمارس فيه اسوأ الممارسات الوحشية لم يسبق ان عرفتها الانسانية حتى فى عهود المشاعية البدائية .

ولان شعبنا يتعرض لكل هذا الاذى ، والى كل  صنوف الظلم ، فى غياب الرقابة الدولية ، فى بلد فيه تعتيم كامل على كل شئ ، بلد ينعدم فيه التمثيل الدبلوماسى ، واذا وجد هم وكلاء لدول فى حد نفسها لاتحترم حقوق الانسان ، فى بلد ليس فيه مراسلين للصحافة الحرة  والاعلام المستقل ، فى بلد تنعدم فيه مكاتب الامم المتحدة ، وتمنع فيه كل وسائل الاتصال ،، الهاتف والانترنت على سبيل المثال ، كل هذا جعل شعبنا يعيش حالة القرون الوسطى  ، اصبح شعبنا ضحية حاكم متسلط من خلفه زبانية لايعصون اوامره ، تلطخت اياديهم بدماء الابرياء ، وليس لهم مخرج الا التشبث بحكمه والعمل على بقائه لمنع حياتهم من المسائلة القانونية .

(5) وشعبنا الذى ناضل عقودا من الازمان ، وتحدى اقوى الجيوش تدريبا وتسلحا  ، ومن خلفهم  السوفييت وكوبا وغيرهم من تحالفات المصالح ، لهو قادر على التخلص من اي قوة فى الارض تهدد امنه وسلامة مستقبله ، ولكن كما يقول المثل "لايتأذى  المرأ الا من حيث يأمنه "  والحذر دائما من مأمن الشئ ،  فالايمان بهذه الطغمة الحاكمة من ابنائه ، وتسليم مفاتيح القيادة لهم ، كان خطاء جسيما عرض شعبنا الى دفع ثمن غال .

ولان محاربة هذه النظام من الداخل امر فيه مخاطرة بالنفس  ، فلا يوجد بد الا الخروج من الوطن ، فردا أوجماعات ، حسب ما تقتضى الحاجة ،  وثم الارتكاز والعمل على تجميع كل الجهود المتوفرة ، للاقتلاعه وتقديم سدنته الى العدالة .

 (6) ان وجود شعبنا فى الخارج بهذه الكثافة والعددية الهائلة لم يكن من فراغ ، ولا حبا فى الهجرة ، ولاخياراً من خياراته ، انما أجبر عليه ،  ولو فرضنا ان  الدول التى يقيم بها  مستقرة وتنعم بالامان ، انما هى ظروف فرضت عليه  من  قبل نظام مستبد لايفهم فى الحياة الا القتل والخراب ، وشعبنا لقادر على تغيير النظام  بالقوة ، وهذا مكلف ويعرض البلاد مزيداً من الارواح ، ولا يخفى على احد ان فاتورة الحروب جسيمة العواقب ، ويكفى ما كلفتنا عقود النضال ، اكلت سعيرها  خيرة الشباب وقضت سنين ليبها  على الاخضر واليابس ، ولانريد ان يتكرر المشهد مرة اخرى ، رغم ان كل التوقعات  تصب الى هذا الجانب  ،  الا ان شعبنا يأمل فى نجاح خطط السلام ومبادرات التعاون بين الداخل والخارج ، وان يعى الشرفاء من  جيشنا بحسم الامر لصالح الوطن كتحرك عملية (فورتو)  التى فقدنا فيها شهداء منهم  الشهيد ودحجاي  ، نمنى ان يفعلها جيشنا البطل كما  فعلها  السلف فى حسم المعركة لصالح الحرية .


(7) وفى ظل هذه الظروف الصعبة ،  التى يمر بها شعبنا فى الداخل ، من تكتيم اعلامى ، وتجنيد الشعب، بالعمل فى العسكرية  الى مدى الحياة ، والهاء الناس بالحروب المفتعلة مع الجيران ، وبث سموم الفرقة والشتات بين الناس ، ومصادرة اموالهم ، والصاق تهم العمالة الى كل من نطق الحقيقة ، وسجن الناس بدون محاكمة ، وتفشى الفساد فى ظل غياب القانون ،وحكم الدستور  ، تساق  االبلاد والعباد كالقطيع بمزاج شخص معتوه ، وفلهوة مقاطيع ، كل هذه الاسباب وغيرها ، صدت كل طرق المطالبة بالحقوق ، ويستحيل تحريك اصبع فى داخل البلاد ، وهذا استدعى  شعبنا تحويل ميدان النضال للخارج ، فكان ثمرة هذا النضال صدور قرار أولياً  بتكوين لجنة من الامم المتحدة لتقصى الحقائق فى ارتريا  ، وجدت القبول والرضا  من شعبنا  ، ولم يجد شعب الداخل حرية الاختيار والتعبير عن ذاته لرفض حكام الهقدف من دخول اللجنة الى ارتريا ، ولكن بطريقة او أخرى وصلت رسائله التى تدعم اللجنة بالمعلومات ،  واخيرا توصلت المفوضية الى حقيقة الاوضاع الماساوية التى يتعرض لها شعبنا واخرجت قرارا  ثانيا  يدين النظام بارتكاب جرائم ضد الانسانية ، سوف  يقدم لمجلس الامن الدولى بعد اجازته ان شاءالله  ، نتمنى ان يوفق ، ويصدر قرارا دوليا  ، لصالح شعبنا ،  بالقبض على رأس النظام ومساعديه  واحالتهم  كمجرمى حرب ، وابادة شعب ، الى المحكمة الدولية فى لاهاي ، ومن هذا المنطلق يدعم شعبنا كل القرارات الاممية  التى تعجل من رحيل الطاغية ونظام الهقدف من بلادنا ،واقامة نظام عادل يحكم بالدستور ، ونظام ديمراطى  يحترم شعبه ، وأملنا من  المجتمع الدولى لمساندة شعبنا فى التخلص من النظام الدكتاتورى البغيض ، وممارسة مزيد من الضغوط عليه ، لكبح جماح القوة فيه ، مع دعم المعارضة للتخلص منه ،  ليعيش شعبنا بسلام وامان فى بلاده ، ويقيم دولة العدالة والقانون ، ويحفظ الود للجيرة ويساهم  على نشر الامن والسلم العالمى  . 

(8) فبالرغم وجود خيارات  عديدة  لشعبنا  للتخلص من النظام فى ارتريا ، الا انه قدم الخيار السلمى واخر خيار العنف لتفادى الخسارة ، ونظم نفسه وفق الظروف المحيطة به ، للتوعية  والعمل على تكاتف الجهود ، لتقصير من عمر النظام ، فكل الجهود التى تبذل تصب فى تعرية النظام امام المنظمات والراي العام العالمى ، وايضا تكثيف العمل الاعلامى وان كانت لاترقى لمستوى الطموح ، ولكن الامل معقود ، مادام هناك حراك مستمر ، وكذلك المسيرات التى تعقب كل حدث ، مثل مسيرات يوم المعتقل ، و مسيرات جنيف الاولى والثانية  ، كلها تحركات ومناشط  ايجابية ، تعمل على صحوة شعبنا  وتذليل  العقبات عنه ، وخاصة شبابنا الذى يعانى من جحيم التجنيد  المستمر لمدى الحياة ، ويتكبد مشاق الهجرة والهروب من جحيم النظام ، ويقع ضحية عصابات البشر ، وسباع الصحارى ، واسماك البحار .

ب
(9)  ولان ما اثار شجونى للكتابة هى مسيرة جنيف الثانية ، احب القول ان المسرات لاتقاس بعددية الناس ، كما لاتقاس المعركة بتحرير ارض معينة ، وانما تقاس بالمردود من هذه المسيرات ،  واتمنى من شعبنا ان يعمل على لم شمله ، وخاصة الشباب الارتري ويبعد من معوقات العمل النضالى ، القبلية والطائفية ، وكل ما يفرق قدراتنا ، ويعيق سيرنا .. والمجد والخلود لشهدائنا الابرار ، والسقوط والعار لحكم الاستبداد ، والنصر والسؤدد لشعبنا المغوار ، و الحرية والاستقلال لارتريا الغالية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق