عمرها لايتعدى شهران فى ساحة الوغى ،وحرب التحرير، وفى سلسلة الجبهات العريضة على امتداد الوطن المحتل ، كانت "عافيت" المناضلة الجسورة ، ترابط مع رفاقها فى الخنادق والجحور ، كالافاعى وكل الزواحف . وكأن علاقة حب قد فطرت عكس طبيعة الحياة .دخل كل المقاتلون اماكنهم كعادتهم فى هذه الاوقات ،ولحظات مابعد الغروب هى اوقات الاستعداد القصوى فى القانون العسكرى. وفى ذلك اليوم الحار ليله كنهاره ساخن نهارا وكاتم ليلا ، خرجت من حجرات الخندق الى أحدى ممراته ،فأصدر اليها قائد المجموعة بالعودة الى مكانها ،حفاظا على سلامتها من مباغتت قاذفات المدافع التى ترمى من مسافات بعيدة. عادت الى وكرها ، وكان "بنيام " قد سبقها الى المنام وبدات اصوات الشخير تتسرب من مناخيره. الخندق ظلام ليس هناك نور او انارة ،ولايسمح فى الدفاع شيئان الاضاءة والكلام . دخلت عافيت تتحسس وقدكان القمر يعود غربا لانه فى اول أيامه ,ولامست جسم املس واعتقدت انه ساعد بنيام ، ولكن سرعان ما فطنت ان الارض ايضا مليئة بحيات الارض , ولكى تتأكد انتظرت شعاعا بسيطا يسترسل الى الداخل عبر ثقب بين الصخور من ضياء القمر . وتمعنت ووجدت ان الافعى تنام بإرتياح بجانب بنيام ، وعندما أحست الافعى ان هناك رفيقا قادما لملمت نفسها وخرجت على مرآى عافيت بأحد جيوب حجرة الخندق ،ببطئ وتثاقل ،وظنت عافيت ان رفيقها قد لقى حتفه ..ولكن عكس ذلك فقد كان على خير وسلام.
لم تكترث عافيت كثيرا لماحصل لان مبدأ المقاتل "أن الموت واحد " فإذا كان من الموت بد لأجل المبادئ السامية و المقدسة ،فالوطن به أولى. افترشت عافيت بعض الاسمال البالية ،رقعة على رقع من مخلفات الاموات ، وغطت بطرحتها على سلاحها حتى لاتتسخ وتفسدها الغبار ، لان السلاح الاهتمام به من اولويات المقاتلين. وقبل ان تأخذ قسطا متواضعا من النوم ،كانت الحصحيصة ابدر ، قامت مسرعة وشدت (الزنار ) على خصرها ، وخرجت وعرض عليها ما قبلها من "الوردية" ماسمع من تحركات فى جبهات العدوا وازعاج بعض الحيوانات ،وحذرها من ان حركة العدوا غير مألوفة وغير طبيعية على غرار آخر المعطيات فى الايام الاخيرة.
استلمت عافيت الوردية، وبدأت تراقب بإهتمام ،كل حركة ، وكان عليها ان تحلل كل صوت وحركة لان المراقبة تعتمد على الاذن ، وتبقى بقية الحواس فى الاحتياطى. لزام عليها معرفة الشجرة لماذا تتمايل ؟هل بفعل الرياح ام بفعل آخر؟ عليها ان تفرق بين الروائح ، واصوات الزواحف ، كل ذلك يحتاج الى وعى ،والتدريب عليه يتم فى مدرسة التدريب العسكرى، وكذلك تترسخ المفاهيم من خلال الحراك اليومي بين الرفاق.وان الخبرة الطويلة تنتج عنها القيادات.
كانت الساعة تقريبا الواحدة صباحا ،حينما طرش كفوهة البركان من بعد كيلومترات عديدة سلاح غير مألوف حممه الجهنمية ، ونزلت اول قذيفة على مقربة منها ، وانفجرت وعم شذاياها كل الموقع على دائرة قطرها نصف كيلو متر تقريبا. تنهد مسرعا قائد المجموعة محمد نور وربط كفوفه وامر المجموعة بأخذ مواقعهم ،، واتى قائد الفصيلة وتفقد الحال وحكى لهم نوعية السلاح الجديدالذى جلبه وزير خارجية العدو حينها "أشاقرى يلقطو " من اسرائيل .. وهللت عافيت قائلة : "اهلا يا أشاقرى " فمصيرك لامحال حتما سيلقى مصير "ستالين اورغن !!".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق