الأحد، 22 يناير 2012

شاركت العرس الوطنى بروحى وجسدى ،وسمراء الخدين حينها لم تغسل بعد دموعها ، وجسدها الطاهر مازال ينزف جروح الثلاثين،ونضالات الاوطان تكلل نهايتها بقوافل من الشهداء، وتقاطر الشباب من كل حدب وصوب ،وباصرار تعهدوا ان تسموا بين الامم،  ببناء ما دمرته الحرب ،وطى الماضى المظلم لبدأ صفحة من الاستقرار وبناء دولة الدستور والعدالة الاجتماعية. سألتنى ماذا بعد التحرير ؟ الجواب بسيط ولكن مدلولاته كبيرة ..كان عندها بعد نظر ..قلت:انتصرنا فى معركة التحرير ،والان بدأت معركة التعمير .‏ واسترسلت فى سرد الحديث ،بسطت لها بساط الربيع ،وفرشت لها الوطن بأكليل من الياسمين،انشأت لها الفيلل الراقية وحولت الاحمر الى ماء زلال نقية للشاربين واستخرجت النفط والمعادن،وشيدت المعابد والمدارس، ومدت الطرق السريعة على ظهور الجسور. واطلقت العنان للحمائم ان تطير فى سماء الوطن تحمل العدالة والسلام. وجعلت الوطن جنة الله فى الارض ،وتبسمت وشكرتنى والفرحة تكسو وجهها والسعادة تغمرها والسرور .
 ومرت السنين وطويت العشرين كطى صفحات الكتاب،وتقاطرت كقطرات السحاب فى صحراء يباب. ولم تنبت فى اض الوطن الا الصبار الشوكى .والعمر اصبح مجرد زمن ثقيل يمر بعذاب.
 أستوقفتى بالامس فى معسكر شجراب شاحبة ،نحيفة ،بدأ عليها تعب السفر ،واعياء الطريق ودموع الفراق تسبقها نادتنى بلهفة المكلوم، وخلفها طفلاه يمسكان بتلابيب ثيابها الممزق بفعل اشواك التخفى أثناء الهروب من جحيم البلاد. نظرت اليها وكدت انساها لولا لطف رب العباد، المعاناة قد اخفت كل الملامح ،واصبحت تلك الوردة الناضرة  عفن الخبز نتن وجاف تحولت الاميرة الجميلة الطامحة الى الاستقرار الى لاجئة حزينة وشقية تقبع فى خيمة الاحزان ،تقتات من قوت بقات الطير مهانة مطعونة الشرف والكرامة.  تنعت نصف النصف واحيانا نصف الآمة ، تسارع لقمة العيش فى قدح لايرقى لاستعمال الكلاب. وعرضة لذئاب البشر تباع وتشترى فى سوق الرقيق .هذه مهزلة ..مابعدها مهزلة .

السبت، 21 يناير 2012

الارادة بعزيمة الرجال سر الانتصار

  يعتبرعام 1975م   فى تاريخ الثورة الارترية منعطف هام على كل الاصعدة ، ففيه حوصرت اسمرة ،واصبحت قاب قوسين اودنى من الخروج من نفقالاحتلال الى  برالحرية. واذكر عندما اقتحم مقاتلى جبهة تحرير ارتريا سجن (سمبل )وحرروا كل مافيه ،كانت تلك بداية اضمحلال قوة العدوا الاثيوبى، و صفعة قوية فى وجهه القبيح، مما افقده الوعى حتى ذهب يترنح باحثا عن العلاج فى دول شرق اوربا، وخاصة بماكان يسمى بدول الاتحاد السوفيتى،"او بحلف وارسو ". وامتلأت ساحات الميدان بالملتحقين الجدد بالثورة، وخاصة من طلاب المدارس والجامعات.  و ماإستوقفنى للذكرى والتاريخ حديث "جابر " احد كوادر  التثقيف السياسى للمستجدين فى هيئة التدريب آنذاك ..حينما سأله احد من الشباب الجامعيين ،وهو الآن حى يرزق ويشغل منصبا رفيعا فى الحكومة الارترية قائلا له : كيف تواجه الثورة  تفوق العدوا العسكرى فى العدة والعتاد ؟‎ ‎ وابتسم جابر مجيبا: ياإبنى نحن نمتلك اكبر سلاح معنوى هى" الارادة" ، اما عمليا فإن سلاح "الكلاشن " سلاح فتاك بقوة الرجال وعزيمة المقاتل ،فهو مضاد للدبابة ارضا ،والطائرة جوا ، فسبحان الله كنا نصدق مايقول رغم معرفتنا بعلوم الكيمياء والفيزياء .. تعرفون لماذا؟  لأننا كنا نحب قادتنا حتى التقديس ، وأيضا كنا نثق بهم ثقة عمياء لذلك انتصرت الثورة .

الأربعاء، 18 يناير 2012

اشاقرى


عمرها لايتعدى شهران فى ساحة الوغى ،وحرب التحرير، وفى سلسلة الجبهات العريضة على امتداد الوطن المحتل ، كانت "عافيت" المناضلة  الجسورة ، ترابط مع رفاقها فى الخنادق والجحور ،  كالافاعى وكل  الزواحف . وكأن علاقة حب قد فطرت عكس طبيعة الحياة .دخل كل المقاتلون اماكنهم كعادتهم فى هذه الاوقات  ،ولحظات مابعد الغروب هى اوقات الاستعداد القصوى فى القانون العسكرى. وفى ذلك  اليوم الحار ليله كنهاره ساخن نهارا  وكاتم ليلا  ، خرجت من حجرات الخندق الى أحدى ممراته ،فأصدر اليها قائد المجموعة بالعودة الى مكانها ،حفاظا على سلامتها من  مباغتت قاذفات المدافع  التى ترمى  من مسافات بعيدة. عادت الى وكرها ، وكان "بنيام " قد سبقها الى المنام وبدات اصوات الشخير تتسرب من مناخيره.  الخندق ظلام ليس هناك نور او انارة ،ولايسمح  فى الدفاع شيئان الاضاءة والكلام . دخلت عافيت تتحسس وقدكان القمر يعود غربا لانه فى اول أيامه ,ولامست جسم املس واعتقدت انه ساعد بنيام ، ولكن سرعان ما فطنت ان الارض ايضا مليئة بحيات الارض  , ولكى تتأكد انتظرت شعاعا بسيطا  يسترسل الى الداخل عبر ثقب بين الصخور من ضياء القمر . وتمعنت ووجدت ان الافعى تنام بإرتياح بجانب بنيام ، وعندما أحست الافعى  ان هناك رفيقا قادما لملمت نفسها وخرجت على مرآى عافيت بأحد جيوب حجرة  الخندق ،ببطئ وتثاقل ،وظنت عافيت ان رفيقها قد لقى حتفه ..ولكن عكس ذلك فقد كان على خير وسلام. ‎
لم تكترث عافيت كثيرا لماحصل لان مبدأ المقاتل "أن الموت واحد " فإذا كان من الموت بد لأجل المبادئ السامية و المقدسة  ،فالوطن به أولى. افترشت عافيت  بعض الاسمال البالية ،رقعة على رقع من مخلفات الاموات ، وغطت بطرحتها على سلاحها حتى لاتتسخ وتفسدها الغبار ، لان السلاح الاهتمام به من اولويات المقاتلين.‏ وقبل ان تأخذ قسطا متواضعا من النوم ،كانت الحصحيصة ابدر ، قامت مسرعة وشدت (الزنار )‏ على خصرها ، وخرجت ‏ وعرض عليها ما قبلها من "الوردية" ماسمع من تحركات فى جبهات العدوا وازعاج بعض الحيوانات ،وحذرها من ان حركة العدوا غير مألوفة وغير طبيعية على غرار آخر المعطيات فى الايام الاخيرة.‏ ‏‎
استلمت عافيت الوردية،  وبدأت تراقب بإهتمام ،كل حركة ، وكان عليها ان تحلل كل صوت وحركة لان المراقبة تعتمد  على الاذن ،  وتبقى بقية الحواس فى الاحتياطى. لزام عليها معرفة الشجرة لماذا تتمايل ؟هل بفعل الرياح ام بفعل آخر؟ عليها ان تفرق بين الروائح ، واصوات الزواحف ، كل ذلك يحتاج الى وعى ،والتدريب عليه يتم فى مدرسة التدريب العسكرى، وكذلك تترسخ المفاهيم من خلال الحراك اليومي بين الرفاق.وان الخبرة الطويلة تنتج عنها القيادات.
كانت الساعة تقريبا الواحدة صباحا ،حينما طرش كفوهة البركان من بعد كيلومترات عديدة سلاح غير مألوف  حممه الجهنمية ، ونزلت اول قذيفة على مقربة منها  ، وانفجرت  وعم شذاياها كل الموقع على دائرة قطرها  نصف كيلو متر  تقريبا. تنهد مسرعا قائد المجموعة محمد نور  وربط كفوفه وامر المجموعة بأخذ مواقعهم ،، واتى قائد الفصيلة وتفقد الحال وحكى لهم نوعية السلاح الجديدالذى جلبه وزير خارجية العدو  حينها  "أشاقرى يلقطو " من اسرائيل ..  وهللت  عافيت قائلة  : "اهلا يا أشاقرى " فمصيرك لامحال حتما سيلقى مصير "ستالين اورغن !!".

الدرب المقدس

الدار مكتظ بالغرف الصغيرة ،كلعب الاطفال ،والناس محشوة فيها كأعواد الكبريت، ورغم ذلك النفوس متسامحة ومتآلفة متجانسة.
وجدت حسناء فى عمر الزهور ،تجلس على مقعد فى مقدم الدار ، سلمت عليها ،واشارت هى علي بالجلوس الى جوارها لحين وصول احد القيادات الوطنية فى تلك الحقبة .
سألتها: طبعا طالبة ؟،ردت لا مقاتلة ،لاحظت مليا اليها ،ورأيت ان الكاكى تغطيه الملفحة كالقمر بين الغمام عند منتصف الشهر.
خرجت بقصد تناول شئ من حانوت بجوار الدار ، واسرعت بعيدا مهرولا ولكن ؟
سبقنى صوتها يا أخى لقد نسيت أشياؤك لعلها حصاد عمرك ..
رجعت اليها وسألتنى الى اين كنت ذاهب؟ تلعثمت فى الكلام ..ابت الشفاه ...تجمد اللسان ..
وفى الختام ايقنت كبر الجواب ..جئت ابحث عن منحة دراسية خارج البلاد واختى الصغيرة تقارع العدوا فى الغابات والجبال  والسهول!
العيب كل العيب ومزقت الشهادات ،واخترت درب النضال.