(1)علي خلفية المقال الذي تناولت فيه مذبحة بسكديرا وعونا ، اتصل بي بعض
الاخوة المهتمين بالشأن الارتري ولهم دراية بالحدث واشكرهم علي المعلومات الاضافية
، وكذلك اشكر المعلقين في المقال ، والذين تركوا
اعجابهم الذي لايقل من حيث الاهمية
عن المعلقين ، لان الاعجاب له مدلول قوي في عالم الشبكة الاسفيرية
.
ولتعميم الفائدة اخترت كتابة
المعلومات الاضافية في مقال منفصل ، واتمني ان يستمر العطاء ، والذي لم يتمكن من
الطلة في العام ، اتمني ان يتواصل معي في الخاص ، واهتمامي بعونا وذكراها المؤلمة
اردت توثيق باستغلال المناسبة وليس الامر بقصد نبش الماضي وتذكير الناس بماسيه
القاسية ، وان كان الوضع الحالي لا يقل فجيعة منه .
(2) وقصة عونا وتوأمتها بسكديرا ، يدور حولهما لغط كثير ، عن اسباب وقوع
الحادثة ، رغم انهما لم تقترفا ذنباً حتي
يصيبها غضب العدو الذي لايفرق بين الاخضر واليابس ، البعض يعتقد انها مؤامرة
الكماندوس (الشرطة الارترية) ضد المسلمين ،لان الكماندوس كان يشكل افرادها
اغلبية مسيحية وكذلك قياداتها النافذة ، والبعض الاخر يوصمها
بأنها طائفية تخدم مصالح التجرينية والتقاروا الذين كانوا يخدمون اجندة حزب (الاندنت) الوحدة مع اثيوبيا الذي تواطأ مع اثيوبيا في ضم ارتريا اليها وجعلها الاقليم الرابع عشر .
(3) وقد اجتهدت في تقديم اجابة مفيدة بالاتصال مناضلين في جبهة تحرير ارتريا و مواطنين لهم دراية كافية بالاحداث ، واذا كان من
بينكم له اضافة الباب مفتوح الموضوع ليس حكراً علي احد او مجموعة معينة ، وقصة عونا تبدأ من الارهاصات التي كانت تدور في قصر الامراطور هيلي
سلاسي (قوة الثالوث ) امبراطور اثيوبيا الاعظم ، ان خادم الامبراطور في ارتريا (اندراسي) ضعيف
الشخصية ، وغير قادر في القضاء علي مجموعة قطاعي الطرق (الشفتا) تجعل من جبال
وأودية السنحيت مكان تمركز ، ولهذه الاسباب اصدر الامبراطور
مرسوماً بتفويض الجنرال تشومي ارقتو في استعمال القوة المطلوبة ، واذا اقتضي الامر بامكانه ان يبيد الشعب الارتري بتبني سياسة الارض المحروقة ، وتجفيف البحر اذا اراد قتل
السمك ، وأول ما وصل ارقتو الي اسمرا ، اصدر بياناً يهدد فيه الثورة الشعب الارتري
انه سوف لايرحم كل من يقف مع المارقين
والفالتين ، وانه جاء للقضاء علي قطاع
الطرق في ايام معدودات ، وتطهير البلاد منهم
، وفي المقابل استوعبت جبهة تحرير
ارتريا الرسالة ، واعدت العدة لتلقينه
درساً لن ينساه الامبراطور المتغطرس .
(4) فوضعت خطة الاولي كمين عسكري
في عقبة( لبي تقراي) لمواجهة الجيش اقادم من اسمرا وكمين اخر بالقرب من حليب منتل علي تلال قرية (درق)
لسد اي نجدة قادمة من كرن ، وفي يوم 21 نفمبر 1970م أعد كميناً محكماً قام افراد هندسة الثورة في زرع الغام الاليات في تعرجات عقبة (لبي تقراي ) المشهورة
التي تقع في الطريق الذي يربط اسمرة ـ بكرن
، وبالفعل نجحت الخطة في تعطيل موكب الجنرال الذي كان يتكون أكثر من 50 سيارة
محملة بالجيش النظامي الاثيوبي والكماندس الارتريين وسيارات صغيرة للقيادات العسكرية .
(5)وعند اصابة اللغم احدي الشاحنات التي تقود الموكب فتح الثوار نيران
بنادقهم ورشاشاتهم علي الجنود ، وضرب وقود السيارات الذي زاد من الاشتعال ، وهلك
عدد كبيرمن عساكر العدو جراء سقوط الشاحنات في منحدرات الاودية السحيقة . وجرت
معركة كبيرة سريعة ومباغته نتج عنها خسائر كبيرة في الارواح والعتاد علي راسهم
هلاك الجنرال "تشومي ارقتو " ،الذي
نفق قبل ان يحقق شيئاً ، ومات معه عدد من الرتب
الكبيرة ،وميئات من الجنود ، تاركاً خلفه عاراً لايمحي من جبين الامبراطورية .
كان قائد العملية الشهيد/ قبرهيوت ود حمبرتي ( قائد سرية) والذي استشهد لاحقا في معارك بقو ، وقائد سلاح الهندسة المناضل جمعة أبو الخير .
(6) وكانت قوات
الكماندوس في كرن في اهبة الاستعداد للاستقبال القائد الجديد الذي سوف يخلصهم
من قطاع الطرق الي الابد ، ولكن تاتي الرياح بما لاتشتهي السفن ، وصلتهم اخبار عبر
اللاسلكي غير العادة تفيد بوقوع الجيش في كمين و يخوض معارك ضارية مع قوات الشفتا
.. وتحركت علي وجه السرعة قوافل السيارات لنجدة
الجيش القادم من اسمرا ، ووقعت هي نفسها في كمين اخر علي مقربة من قرية (حليب منتل) من قبل سرية الشهيد عثمان صالح
علي ، ودارت معركة حامية وطيس تكبد الكماندوس خسائر فادحة في الارواح والعتاد ، وعادت بقية قوات العدو القهقهري الي كرن .
(7) وفي يوم 27 نوفمبر، جاء دعم عسكري كبير لقوات العدو الي كرن ، وتحركت في اتجاه شمال كرن
في قري فرحن وبسكديرا وباب جنقرين وما يواليها ودارت معارك متفرقة مع الثوار ، وقد
هرب سكان القري بعضهم الي كرن والاخر الي الريف ، الا قريتي (بسكديرا وعونا) قد فضلتا البقاء رغم الحاح الثوار عليهم بالهروب
وترك القرية وخاصة سكان بسكديرا ، وقد رفضوا مناشدات الثوار حتي جاءت القوات
العائدة من معارك الثوار من جهة باب جنقرين ، وطلبت من سكان بسكديرا التجمع المسلمين
في المسجد ، والمسيحيين في الكنيسة ، ورفض الاعيان وقالوا لن نفترق فنحن اخوة لحم
ودم لاتفرقنا اماكن العبادة .. فأدخلوهم
جميعاً في المسجد وأمطروهم بالرصاص فاختلطت الدماء الطاهرة لتروي تراب الوطن ،،
وتغيظ العدا . .. ودفن الجميع في مقبرة جماعية واحدة يقدرون ب 120 شهيداً ،، وهذه
واحدة من المآثر الشجاعة وقيمة تجسد وحدة الارادة الوطنية في تحد الاعادي .
(8) قرية عونا قاطنيها الاصليين عد
شبوت السواد الاعظم مسيحيين ، تقع في طريق كرن ـ افعبت ، كرن ـ حلحل علي بعد كيلومترات شمال المدينة وقد نزحت اليها سكان القري المجاورة لكرن ومن
ضاحيات مديرية سنحيت لظروف متعددة ، وكانت تعد معقل اساسي للثوار ، وعبرها يتسللون الي المدينة
ويُدخِلون السلاح اليها ويهربون المؤن والادوية الي الثوار ، وكثير ما انتهت اثار مطاردات منفذي العمليات الفدائية عند عونا ،
ولذا كانت مصدر تهديد دائم للعدو ، وحتي تكون عبرة لغيرها وانتقاماً لروح الجنرال تشومي وصل العدو الي قناعة اذا لم ترحل عونا عن الوجود
سوف لن يهدأ له بال ، ففي صبيحة الاول من ديسمبر من نفس العام اصدرت السلطات قراراً بفرض حصار محكم علي سكانها وابادتهم
وحرق بيوتها علي رؤسهم ، بعلل ايواء
الشفتا ومعاونتهم في تنفيذ عمليات فدائية في كرن .. وكانت المجزرة التي راح ضحيتها
ما بين (800الي الف ) شهيد من الاطفال والكهل والشيب والشباب ، وفي رمشة عين اصبحت
اثر بعد عين خلفت ورائها ارض جرداء خالية من النبات والحيوان .
مما
سبق نستخلص ان مجزرتي عونا وبسكديرا ، هي ضحية تراكمات بدأت منذ تاسيس جبهة تحرير
ارتريا في عام 1961م ، فريف اقليم سنحيت كان ثورياً خالصا ، ومدينة كرن كانت مصدر
اشعاع في تغذية الثورة بالمتعلمين والدارسين ، حتي وصفها العدو (كرن برميل سم)
ويقصد بالسم الثوار الارتريين .. المجد والخلود لشهدائنا الابرار والخزي والعار للمستبد الباغي .