(1) اعادتنى الذاكرة للايام دخول
الجيش الشعبى لتحرير ارتريا العاصمة اسمرا 1991م منتصراً على جيش اكبر ترسانة عسكرية فى افريقيا ،
واستقبل من قبل الشعب الارتري بالورد
والاغصان الخضراء ، يرسم على وجهه فرحة عارمة ، بخروج الاستعمار الاثيوبى من غير رجعة ، يذكرنى زغردة
الامهات وصيحات الشباب والاطفال فى
الشوارع والطرقات "وَسدى جِقْنَا بَعَلْ قُمْطَا سِرى " شعارعفوى حمل كل
دلالات الانتصار بقوة البطل الذى تصدى لكل محاولات طمس الهوية الوطنية ، وألجم فتن
وذرائع المتخاذلين من ابناء الوطن ، وانتزع حقه بعزيمته ، ونال شرف البطولة ، كان ذلك مشهدا ، خالدا لايمحى من الذاكرة ، باقى .. ولو حاولت الفيئات الضالة
والمضللة ، الى تغيب نتائجه كما غيبتْ صنَّاعه .
(2) شعبنا الارتري شعب محب للسلام ، ومحب للعدالة ، وشعب محترم ، وطيب الخصال ، مهما طالته الايادى القذرة ويساوم البعض على اذلاله ، واضعاف قوته ، فهو مازال صامداً ، متحديا عوائق الاعادى ، مناضلا ضد الاستبداد ، ومناوئاً كل اشكال الظلم والعبودية ، وان تعرضه للاسوأ الافعال الغير لائقة بالحيوان ناهيك الانسان لايزيده الا قوة وصلابة ، وكذلك تعرضه لمختلف صنوف الافعال تعجز الكلمات هنا وصفها .. من قتل وذبح ، واختطاف ، وتعذيب ، وتهديد وترويع ، وخراب ديار ، وسلب الابناء والاموال ، تحت غطاء فزورة حماية الوطن ، وفى ظل غياب الدستور وحكم القانون ، من قبل حكام ، عديمى الرحمة و الضمير ، ينامون على ازهاق الارواح وسيل الدماء ، ويصحون على لعلعة الرصاص وحصد الابرياء .. سوف تجعل منه رمزا للكرامة والفداء.. ورسول سلاما الى الانسانية جمعاء .
(3) هؤلاء المأمونون على الوطن ،
انقلبوا على المواطن ، وصار الوطن ضحية هذه الشرذمة من ذئاب البشر ، واصبح الاب الذى قضى حياته يكد
ويكافح ،" يد تزرع ويد تقاتل"، مجرما ، مصيره السجن ، ويالته سجناً
، فهو قبر لدفن الاحياء ، دون تهمة او دليل ادانة ، فقط جريمته شاهد على
التاريخ ، ويحمل ذاكرة النضال ، ولان اللص
يحتاج الى طمس الاثر ومعالم التعريف ، فقد فعل الحكام الجدد الذين تظاهروا بالوطنية وساروا فى مسيرة
النضال كسرى السم فى مجرى الدم ، وتغلغلوا حتى نالوا ارفع المناصب القيادية ، وفى
كل مرحلة من عمر النضال ، كانوا يدبرون القتل
والتصفيات الجسدية ويخرجون من جرمهم كالشعرة من العجين ، هؤلاء الدجالين الذين
يحكمون شعبهم بالحديد والناراليوم ،
ويقتلون ويدمرون الوطن تارة باسم حماية الوطن ، وتارة اخرى باذلال الشعب بدعوى
تغيير المفاهيم الاجتماعية تحت مسميات (ثقافة جديدة لمجتمع جديد ) انهم حكام
السوء "الهقدفية " اللعينة ،
بذرة فاسدة نمت وكبرت على تراب الوطن ، تتلون كالحرباء ، وتنتشر اطرافها كالاخطبوط للانقضاض على الوطن الفريسة
.
(4) الشعب الارترى ذاق الويل على مر الخمسة والعشرين عاما الماضية من حكم الطغمة الحاكمة ، فى ارتريا ، الجاثمة
على جماجم الشرفاء ، من المناضلين ، والابرياء من شعبنا ، انها حكومة لايعترف بها
الا ظالم ومستبد ، ومرتزق ومدسوس ، تعيش حياتها على مص دماء الابرياء ، و مصدر رزقها على
ازهاق ارواح الشرفاء ، ولم تتح فرصة لشعبنا للتعبير فاصبح كل من تكلم بالحق مصيره
القتل والتغييب ، ومن هرَّب ابنه الى خارج البلاد يتم مصادرة ماله وداره ، وتقييده الى
مكان مجهول ، شعبنا يعيش فى ظل نظام مستبد يقتل ويعذب ، ويغتصب فى وطنه ، وكل من لاتعجبه
هذه الاحكام مصيره الجب والقبور ، لنا
الالاف من المغيبين منذ الحرية حتى لحظة كتابة هذه السطور ، كل يوم لايمر على
شعبنا دون ان يذيق شرب الحميم ، ودون ان يتعرض لسوط العذاب ، اضحت ارتريا
جحيم الارض ، ومركز كل الارهاب ، انها معتقل كبير تمارس فيه اسوأ الممارسات
الوحشية لم يسبق ان عرفتها الانسانية حتى فى عهود المشاعية البدائية .
ولان شعبنا يتعرض لكل هذا الاذى ، والى كل صنوف الظلم ، فى غياب الرقابة الدولية ، فى بلد
فيه تعتيم كامل على كل شئ ، بلد ينعدم فيه التمثيل الدبلوماسى ، واذا وجد هم وكلاء لدول فى حد نفسها لاتحترم حقوق
الانسان ، فى بلد ليس فيه مراسلين للصحافة الحرة والاعلام المستقل ، فى بلد تنعدم فيه مكاتب
الامم المتحدة ، وتمنع فيه كل وسائل الاتصال ،، الهاتف والانترنت على سبيل المثال ، كل هذا جعل شعبنا يعيش حالة القرون الوسطى ، اصبح شعبنا ضحية حاكم متسلط من خلفه زبانية
لايعصون اوامره ، تلطخت اياديهم بدماء الابرياء ، وليس لهم مخرج الا التشبث بحكمه
والعمل على بقائه لمنع حياتهم من المسائلة القانونية .
(5) وشعبنا الذى ناضل عقودا من الازمان ، وتحدى اقوى الجيوش تدريبا وتسلحا ، ومن
خلفهم السوفييت وكوبا وغيرهم من تحالفات
المصالح ، لهو قادر على التخلص من اي قوة فى الارض تهدد امنه وسلامة مستقبله ، ولكن كما
يقول المثل "لايتأذى المرأ الا من
حيث يأمنه " والحذر دائما من مأمن
الشئ ، فالايمان بهذه الطغمة الحاكمة من
ابنائه ، وتسليم مفاتيح القيادة لهم ، كان خطاء جسيما عرض شعبنا الى دفع ثمن غال .
ولان محاربة هذه النظام من الداخل امر فيه مخاطرة بالنفس ، فلا يوجد بد الا الخروج من الوطن ، فردا أوجماعات
، حسب ما تقتضى الحاجة ، وثم الارتكاز
والعمل على تجميع كل الجهود المتوفرة ، للاقتلاعه وتقديم سدنته الى العدالة .
(6) ان وجود شعبنا فى الخارج بهذه
الكثافة والعددية الهائلة لم يكن من فراغ ، ولا حبا فى الهجرة ، ولاخياراً من خياراته ، انما أجبر عليه ، ولو فرضنا ان الدول التى يقيم بها مستقرة وتنعم بالامان ، انما هى ظروف فرضت عليه من
قبل نظام مستبد لايفهم فى الحياة الا القتل والخراب ، وشعبنا لقادر على تغيير
النظام بالقوة ، وهذا مكلف ويعرض البلاد مزيداً
من الارواح ، ولا يخفى على احد ان فاتورة الحروب جسيمة العواقب ، ويكفى ما كلفتنا
عقود النضال ، اكلت سعيرها خيرة الشباب
وقضت سنين ليبها على الاخضر واليابس ، ولانريد ان يتكرر المشهد مرة اخرى ، رغم ان كل
التوقعات تصب الى هذا الجانب ، الا ان شعبنا يأمل فى نجاح خطط السلام ومبادرات
التعاون بين الداخل والخارج ، وان يعى الشرفاء من جيشنا بحسم الامر لصالح الوطن
كتحرك عملية (فورتو) التى فقدنا فيها شهداء منهم
الشهيد ودحجاي ، نمنى ان يفعلها
جيشنا البطل كما فعلها السلف فى حسم المعركة لصالح الحرية .
(7) وفى ظل هذه الظروف الصعبة ،
التى يمر بها شعبنا فى الداخل ، من تكتيم اعلامى ، وتجنيد الشعب، بالعمل فى العسكرية الى مدى
الحياة ، والهاء الناس بالحروب المفتعلة مع الجيران ، وبث سموم الفرقة والشتات بين
الناس ، ومصادرة اموالهم ، والصاق تهم العمالة الى كل من نطق الحقيقة ، وسجن الناس بدون محاكمة ، وتفشى
الفساد فى ظل غياب القانون ،وحكم الدستور ، تساق االبلاد والعباد كالقطيع بمزاج شخص معتوه ، وفلهوة
مقاطيع ، كل هذه الاسباب وغيرها ، صدت كل طرق المطالبة بالحقوق ، ويستحيل تحريك
اصبع فى داخل البلاد ، وهذا استدعى شعبنا
تحويل ميدان النضال للخارج ، فكان ثمرة هذا النضال صدور قرار أولياً بتكوين لجنة من الامم المتحدة لتقصى الحقائق فى ارتريا ، وجدت القبول
والرضا من شعبنا ، ولم يجد شعب
الداخل حرية الاختيار والتعبير عن ذاته لرفض حكام الهقدف من دخول اللجنة الى
ارتريا ، ولكن بطريقة او أخرى وصلت رسائله التى تدعم اللجنة بالمعلومات ، واخيرا توصلت المفوضية الى حقيقة الاوضاع الماساوية التى يتعرض لها شعبنا
واخرجت قرارا ثانيا يدين النظام بارتكاب
جرائم ضد الانسانية ، سوف يقدم لمجلس الامن
الدولى بعد اجازته ان شاءالله ، نتمنى ان يوفق ، ويصدر قرارا دوليا ، لصالح شعبنا ، بالقبض على رأس النظام ومساعديه واحالتهم كمجرمى حرب ، وابادة شعب ، الى المحكمة الدولية فى لاهاي ، ومن هذا المنطلق يدعم شعبنا كل القرارات الاممية
التى تعجل من رحيل الطاغية ونظام الهقدف من بلادنا ،واقامة نظام عادل يحكم بالدستور ، ونظام ديمراطى يحترم شعبه ، وأملنا من المجتمع
الدولى لمساندة شعبنا فى التخلص من النظام الدكتاتورى البغيض ، وممارسة مزيد من
الضغوط عليه ، لكبح جماح القوة فيه ، مع دعم المعارضة للتخلص منه ، ليعيش شعبنا بسلام وامان فى
بلاده ، ويقيم دولة العدالة والقانون ، ويحفظ الود للجيرة ويساهم على نشر الامن والسلم العالمى .
(8) فبالرغم وجود خيارات عديدة لشعبنا
للتخلص من النظام فى ارتريا ، الا انه قدم الخيار السلمى واخر خيار العنف
لتفادى الخسارة ، ونظم نفسه وفق الظروف المحيطة به ، للتوعية والعمل على تكاتف الجهود ، لتقصير من عمر النظام
، فكل الجهود التى تبذل تصب فى تعرية النظام امام المنظمات والراي العام العالمى ،
وايضا تكثيف العمل الاعلامى وان كانت لاترقى لمستوى الطموح ، ولكن الامل معقود ،
مادام هناك حراك مستمر ، وكذلك المسيرات التى تعقب كل حدث ، مثل مسيرات يوم المعتقل
، و مسيرات جنيف الاولى والثانية ، كلها تحركات
ومناشط ايجابية ، تعمل على صحوة شعبنا وتذليل العقبات عنه ، وخاصة شبابنا الذى
يعانى من جحيم التجنيد المستمر لمدى الحياة ، ويتكبد مشاق الهجرة والهروب من جحيم النظام ،
ويقع ضحية عصابات البشر ، وسباع الصحارى ، واسماك البحار .
(9) ولان ما اثار شجونى للكتابة هى مسيرة جنيف
الثانية ، احب القول ان المسرات لاتقاس بعددية الناس ، كما لاتقاس المعركة بتحرير
ارض معينة ، وانما تقاس بالمردود من هذه المسيرات ، واتمنى من شعبنا ان يعمل على لم شمله ، وخاصة
الشباب الارتري ويبعد من معوقات العمل النضالى ، القبلية والطائفية ، وكل ما يفرق
قدراتنا ، ويعيق سيرنا .. والمجد والخلود لشهدائنا الابرار ، والسقوط والعار لحكم
الاستبداد ، والنصر والسؤدد لشعبنا المغوار ، و الحرية والاستقلال لارتريا الغالية