الأحد، 26 مايو 2019

شموع الحرية


مقدمة : هذه الصورة اليوم أطلقت سراحها من معتقل دام 28 عاماً ، وأهديها ‏لكل شهداء التحرير عامة ، ورفاق مجموعتي خاصة ، الذين سقطوا ‏في جبهة دقمحري قبيل رفع الجيش الاثيوبي الراية البيضاء وهم الاتية اسمائهم :ــ‏
‏1/ ود تخول- قائد مجموعة ‏
‏2/مِرصِّع بَيني- نائب المجموعة ‏
‏3/ صالح همد- مسئول وحدة ‏
‏4/ قرِّي – قناص ‏
‏5/ظقي بنت مُلقي – ممرضة ‏
‏6/فرويني – ثاني مدفعجي ‏
‏7/ محمد عثمان عيسي ‏
(1) الشهيد الاول : ود تخول قائد مجموعة ، استشهد في اليوم الثاني ، اثناء الهجوم ‏وكسر الدفاع الرابع ، ويعتبر من القيادات الميدانية التي تتمتع ‏بشجاعة واقدام ، شارك في معارك كثيرة منها تدمير جبهة ( نادو از ) وتحرير ‏مدينة افعبت عام 1988م ، وأيضاً في عملية (فنقل ) وتحرير ميناء مصوع ، حروب ‏الاستنزاف التي تلتها عام 1990م ، وأجريت له اكثر من 15 عملية ‏جراحية منها في عينه اليمني ، لذا لم يتحمل جسده البالي الاصابة ‏الاخيرة ، فالجرح كان بليغاً ، والنزف كثيراً ، استشهد في طريقه الي المشفي الميداني .


(2) الشهيد الثاني : ‏وقد خلفه الشهيد مُرصع بَيني الذي كان يمتاز بحيوية وعلاقة طيبة ‏مع رفاقه ، يلقب ب(هدنجري) لانه مصاب عدة مرات في ‏رأسه ، قليل وخفيف الجسد والدم ، سريع الحركة ومباغت قوي عند ‏الهجوم متدرب علي كل الاسلحة الخفيفة ، ويتمتع بدقة التصويب ‏وخاصة في اربجي 7 ، أصيب بقذيف هاون اثناء الهجوم المضاد ، ‏وفارق الحياة حال اصابته ، وبعد اصابته اختل قوة الفصيلة ، مما ‏استدعي الامر ترتيب المقاتلين .
(3) الشهيد الثالث: المناضل المشاكس ‏صالح همد علي من ابناء بركة من مواليد قلسا ضواحي مدينة تسني ‏، يجيد العربية والتقري والتقرينية كتابة وتحدثا ،مكث معنا قرابة ‏العام ، فقد أحضر الينا من قسم الهندسة المركزية ، ويقال: كان ‏لايتفق دوماً مع القيادات لانه كان يراها فاسدة وشوفينية لذا سمي ‏بالمشاكس (رباشي ) ، وقد ارسل الي القوات الامامية ، عوضاً عن التصفية ، ‏وفي الفترة التي قضيناها معا صادف دورة في المدرعات والاسلحة ‏الثقيلة في دوقلي ، أثناء الاستعدادات لهجوم محور دنكاليا ، الذي ‏كان بمثابة تفريق قوة العدو حول اسمرا ، وللتخفيف عن حمولة جبهة دقمحري ، ‏أصيب في اليوم الاول للهجوم في الفخذ الايمن من الداخل ، وأثناء اسعافه ، سلمني نوتة يوميات صغيرة ، وللاسف الشديد لم ‏اتمكن من الاحتفاظ بها ، فقدتها مع معمعة المعارك التي امتدت ‏لخمسة ايام متوالية ولم يعد رغم اعتيادية جراحه ، مقارنة مع الاصابات المألوفة .


(4) .الشهيد الرابع : قّرِّي معوق في يده اليمني ،اصيب في ‏حروب الاستنزاف في جبهة قندع 1990م ، كان يتسلح بجي 3 ، ‏قناص ماكر ، فله تجربة ثرة في القتال فهو من ابناء سرايي فقد كان ‏يلقب بقرِّي سرناي ، استشهد في اليوم الاول بعد تنفيذ الهجوم وكسر ‏الدفاع الاول ، وأصيب في راسه بطلقة لم تمهله فرصة الحياة .
(5) ‏الشهيد الخامس : ظقِي بنت مُلقي من سرايي فتاة في العشرينات ، قليلة ‏الحديث ، خدومة كانت تهتم بسلامة وصحة المقاتلين ، وتقوم بتفتيش ‏مباغت للشعر اثناء النهار ووقت القيلولة ، في النائمين وتصدر ‏قراراتها ، لاتترك احد قبل ان يتناول حبوب الوقاية من الملاريا ، ‏كانت تهتم بالبيئة الصحية في ثكنات الدفاعات وتمنع قضاء الحاجة في ‏العراء المفتوح . استشهدت وهي تداوي الجروح في ضواحي عدي ‏حوشا ، ولم اكن حينها مع الفصيلة ، وقد بلغني الخبر ، اثناء عودتنا في منطقة ‏سلع دعرو ، من مهمة عسكرية ، قبيل قطع طريق اسمرا- مندفرا . ‏
(6) الشهيد السادس : الجميلة السمراء فِروَيْني ذات الشعر الاشقر(جبجب)، رشيقة القوام قليلة الحجم ، لها جسد ‏مثل السحلية ، نشيطة وسريعة الحركة ، تمتاز بلعب الكرة الطائرة ، ‏لها من الشجاعة مكانة الرجال ، لذا كانت تشغل ثانية مدفعجي ، ‏استشهدت علي اعتاب مدينة دقمحري بقذيفة خارقة ، افلح في قنصها ، ‏وسرعة رحيلها ، وخيّب في اسكات رشاشها الذي بعثر الطغاة .‏
(7) الشهيد السابع : الاخ الحبيب محمد عثمان عيسي من ابناء الحباب التحق ‏من بورتسودان ، كان لقبه (عفش ) أو الفيل واحيانا الجاموس ، لكثرة ‏تحمله في رفع العدة والعتاد ، ويتفوق بالقوة الجسمانية علي الجميع ، للاسف لم يستشهد في المعركة ، فقد خرج منتصرا ، ولم يصب ‏باي اذي في المعارك ، كان جندياً عادياً بلارتبة رغم كثرة الالقاب ، ولكنه كان أسدا هصوراً ‏في ميدان المعركة ، قد نجنا في كسر الدفاعات منذ صبيحة ‏التاسع عشر من مايو ، وفرقنا جيوش الاعادي ، وشاركنا ‏في تساقط جنود الدرق كاوراق الخريف التي هبت عليها العواصف والرياح ، وكان يقول ‏لي : في كل فرصة نفس (الّا دِي حلفنَاها ..ربي لكرع ْ لتْمطئ) بمعني ..هذه تجاوزناه ‏ربنا يسهل الجاية .. ولما أُعلن الجيش الثاني رفع الراية البضاء بالاستسلام ‏قال: يعني (ادي ايتقتلوا مطئتنا قدم دخول اسمرا) ، ومكثنا معاً عدة اشهر بعد التحرير ، قبل نقلي من اللواء 18 الي اللواء 82م ‏الفرقة 85 الاختراقية .
(8) وفي شهر يناير 1992م ،رافقت البطل/ ‏صالح عثمان نارو في زيارته السودان التي بدأناها في اواخر ديسمبر ‏‏1991، وعند عودتي في شهر مارس من نفس العام دلفت في زيارة ‏رفاقي الذين كانوا يعملون في بناء مطار نقفة ، ولم اجد محمد عثمان ‏فسألت عنه وقد اعطوني خبرا ، انه في مهمة تحرك ، ولكن احدي ‏الاخوات بلغتني سراً انه قد انتحر ، بسبب منعه من زيارة اهله في ‏بورتسودان ، بحجة ان السفر خارج البلاد لم يسمح بعد للمقاتلين . وكانت ‏صدمة كبيرة لي حتي اني قد تواصلت وكلمت القائد صالح عثمان حتي ‏نتحقق اسباب انتحاره ، فلم اجد جوابا شافياً ، حتي في ‏جلسة مرح مع القيادات هيلي سامئيل (جاينا) قائد الفيلق 271 ود ‏لبسو كموشنر الفرقة 85 ، وهذه قبسات متناثرة من رفاق قل تنعاد ‏سيرتهم الطيبة ، فقد سبقونا بكل شجاعة وبسالة للاجل سعادة شعبنا ‏الحبيب ، وللاجل هؤلاء فقط نبقي علي عهدنا باقون .وعلي دربهم ‏سائرون ، الذين اهدونا الحرية والانعتاق .. نسال الله ان يرحمهم ‏ويغفر لهم ولجميع شهداء ارتريا الاماجد ، وان ينصرنا علي الباغي ‏الظالم الذي سرق امانة شهداؤنا وجهد شعبنا .. المجد لهم والخلود الابدي ، والخزي والعار للحاكم الظالم وأزلامه الخونة ، والنصر للشعب ‏الارتري .‏